للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعليها باب مغلق، ونقر فى أرضها أهراء (١) للطعام، ومصانع (٢) للماء، وبنى فيها القصور والدور، فلما فرغ منها قال: «اليوم آمنت على الفاطميات» - يعنى بناته -، وارتحل عنها.

ولما رأى إعجاب الناس بها وبحصانتها قال: «هذه بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار»، فكان كذلك، لأن أبا يزيد وصل إلى موضع السهم ووقف فيه ساعة [وعاد] ولم يظفر.

فلما كان فى سنة ست وثلاثمائة جهّز المهدىّ جيشا كثيفا مع ابنه أبى القاسم إلى مصر، وهى المرة الثانية، فوصل الاسكندرية فى ربيع الآخر، ودخلها القاسم، ثم سار منها، وملك الأشمونين وكثيرا من الصعيد، وكتب إلى أهل مكة (٣) يدعوهم إلى طاعته، فلم يقبلوا منه، فبعث المقتدر مؤنسا الخادم فى شعبان، فوصل إلى مصر، وكانت بينه وبين القائم عدة وقعات.

ووصل من إفريقية ثمانون مركبا نجدة للقائم من أبيه، فأرست بالاسكندرية، وعليها سليمان الخادم، ويعقوب الكتامى، وكانا شجاعين. فأمر المقتدر أن تسير مراكب طرسوس، فسار إليهم خمس وعشرون مركبا، فيها النفط والعدد، فالتقت المراكب على رشيد، فظفرت مراكب المقتدر، وأحرقوا كثيرا من مراكب إفريقية، وأهلك أكثر أهلها، وأسر منهم كثير، فيهم سليمان ويعقوب، فمات سليمان بمصر فى الحبس، وحمل يعقوب إلى بغداد، فهرب منها، وعاد إلى إفريقية.

وغلب مؤنس عساكر القائم، ووقع فيهم الغلاء والوباء، فمات كثير منهم، ورجع من بقى إلى


(١) عرف صاحب القاموس الهرى (ج: أهراء) بأنه بيت كبير يجمع فيه طعام السلطان، والذى جرى عليه مصطلح الدول الاسلامية فى العصور الوسطى أن الأهراء هى الأماكن التى تخزن بها الغلال والأتبان الخاصة بالخليفة والسلطان احتياطا للطوارئ، وكانت لا تفتح الا عند الضرورة، ويؤكد هذا المعنى استعمال اللفظ بالمتن هنا، وفيما يلى عند حصار أبى يزيد للمهدية، والأهراء بهذا غير الشون التى كان يخزن بها ما يستهلك طول السنة من غلال وأحطاب وأتيان. انظر: (المقريزى: السلوك، ج ١، ص ٥٠٨، حاشية الدكتور زيادة) و (اغاثه الأمة، ص ٢٨، حاشية ٤ و ص ٣١ و ٣٣)
(٢) المصنعة مكان كالحوض يجمع فيه ماء المطر، والجمع مصانع (القاموس).
(٣) كان حاكم مكة فى تلك السنة هو الشريف محمد بن موسى. راجع
(Zamb.Op.Ctt.P .٢١)