للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«ما أعجب أمور الدنيا، قد جمعت هذه القفّة رءوس هؤلاء، وقد كان يضيق بهم فضاء المغرب».

ثم إن المهدى خرج بنفسه يرتاد موضعا على ساحل البحر يتخذ فيه مدينة، وكان يجد فى الكتب خروج أبى يزيد النكّارى على دولته، فلم يجد موضعا أحسن ولا أحصن من موضع المهديّة، وهى جزيرة متصلة بالبر كهيئة كفّ متصلة بزند، فبناها، وجعلها دار ملكه، وجعل لها سورا محكما، وأبوابا عظيمة، زنة كل مصراع مائة قنطار.

وكان ابتداء بنائها فى يوم السبت لخمس خلون من ذى القعدة سنة ثلاث وثلاثمائة، فلما ارتفع السور أمر راميا بالقوس يرمى سهما إلى ناحية المغرب، فرمى بسهم فانتهى إلى موضع المصلى، فقال: «إلى موضع هذا يصل صاحب الحمار» - يعنى أبا يزيد الخارجى فإنه كان يركب حمارا -.

وكان يأمر الصناع بما يعملون، وأمر أن تنقر دار صناعة (١) فى الجبل تسع مائة شينى (٢)،


(١) دار الصناعة، ويقال الصناعة فقط، وقد عرفها (المقريزى: الخطط، ج ٣، ص ٣٩٧) بأنها «اسم لمكان قد أعد لانشاء المراكب البحرية»، وقد عنيت الدول الاسلامية المختلفة بانشاء الأساطيل، وكان أكثرها عناية بها الدولة الفاطمية، وذلك منذ قيام الدولة فى المغرب كما يتضح من النص هنا ثم زادت عنايتهم بدور الصناعة والأسطول بعد نزوحهم الى مصر، انظر المرجع السابق، ص ٣١٣ - ٣١٥، وقد أخذ الأوربيون فى العصور الوسطى هذا اللفظ عن العربية فهو فى الفرنسية Arsenale ، وفى الانجليزية Arsenal ، وفى الأسبانية Darsena ، ومن عجب أننا نسينا اللفظ العربى عند ما قلت عنايتنا بالأساطيل، فلما كان عصر محمد على وبدأنا نعنى من جديد بانشاء دار للصناعة أخذنا اللفظ الأجنبى المحرف وزدنا فى تحريفه فكان الترسانة.
(٢) الشينى أو الشانى أو الشينية أو الشونة، والجمع شوانى، السفينة الحربية وقال (الزبيدى: تاج العروس) انها من أصل مصرى، وذكر (ابن مماتى: قوانين الدواوين، طبعة الدكتور عطيه، ص ٣٤٠، ٣٥٦) أن الشينى كانت تسير بمائة وأربعين مجدافا وفيها المقاتلة والجدافون، وظل هذا اللفظ مستعملا حتى العصر العثمانى. انظر (القاموس) و (على مبارك، الخطط، ج ١٤، ص ٨١) و (المقريزى: الخطط، ج ١، ص ٣٥١ - ٣٥٢ و ٣٥٦ و ٣٥٨) و (النجوم الزاهرة، ج ٤، ص ١٥١، هامش ٣) و (البتانونى: رحلة الأندلس، ص ١٤١)، وهذه المادة موجز عن مخطوطتنا التى لم تنشر بعد وعنوانها «معجم أسماء السفن العربية».