للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فضيق على أهلهما، وبعث المقتدر بالله مؤنسا الخادم (١) فى جيش كثيف، فحاربهم وأجلاهم عن مصر إلى المغرب.

وكان سبب تحرك أبى القاسم بن المهدى إلى حرب أهل مصر أنه وجّه إلى بغداد قصيدة يفخر فيها بنسبه، وبما فتح من البلاد، فأجابه الصولى (٢) بقصيدة على وزنها ورويها، فمنها:

فلو كانت الدنيا مثالا لطائر … لكان لكم منها بما حزتم الذّنب

فحرّك همته هذا البيت، وقال:

«والله لا أزال حتى أملك صدر الطائر ورأسه إن قدرت، وإلا أهلك دونه».

وكابد على ديار مصر من الحروب أهوالا، ومات ولم يظفر بها، وأوصى ابنه المنصور بما كان فى عزمه، فشغلته الفتن، وكان الظافر بها المعز.

فلما كان فى سنة اثنتين وثلاثمائة أنفذ المهدى جيشا مع قائد من قواده يقال له حباسة فى البحر، فغلب على الاسكندرية، ثم سار منها يريد مصر، فأرسل المقتدر بالله مؤنسا فى عسكر إلى مصر، وأمدّه بالسلاح والأموال، فالتقى بحباسة فى جمادى الأولى، فكانت بينهما حروب كثيرة، قتل فيها من الفريقين جمع عظيم، وانهزم حباسة فى سلخ جمادى الآخرة، ويقال إنه قتل فى هذه الواقعة سبعة آلاف [و] لما صار حباسة إلى المغرب قتله المهدى.

وفيها، خالف عليه عروبة بن سيف (٣) الكتامى بالقيروان، واجتمع عليه خلق كثير من كتامة والبرابر، فأخرج إليهم المهدى مولاه غالبا، فاقتتلوا، فقتل غالب فى عالم لا يحصى، وجئ بعدة رءوس إلى المهدى فى قفّة، فقال:


(١) راجع أخباره فى (النجوم الزاهرة، ج ٣، الصفحات المذكورة بالكشاف) و (الكندى: الولاة، ص ٢٦٨ و ٢٧٤) و (مسكويه: تجارب الأمم، ج ١، ص ٣٢ و ٣٦).
(٢) أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول تكين المعروف بالصولى الشطرنجى، توفى مستترا فى سنة ٣٣٥ أو ٣٣٦ لأنه روى خبرا فى حق على بن أبى طالب، فطلبته الخاصة والعامة لقتله، فلم تقدر عليه، وكان قد خرج من بغداد، وله كتب فى الأخبار والأدب والتاريخ، أهمها: أدب الكتاب وطبع فى القاهرة ١٣٤١ هـ، والاوراق فى أخبار آل العباس وأشعارهم، نشر جزءين منه المستشرق جمال الدين هيوارث دن.
(٣) ج: «يوسف»