إليه خلق عظيم من إفريقية والبربر ونفوسة، (١) والزاب، وأقاصى المغرب، فحصر المهدية حصارا شديدا، ومنع الناس من الدخول إليها والخروج منها.
ثم زحف إليها لسبع بقين من جمادى الآخرة، فجرى قتال عظيم قتل فيه جماعة من وجوه عسكر القائم، واقتحم أبو يزيد بنفسه حتى وصل قرب الباب، فعرفه بعض العبيد فقبض على لجامه وصاح:
«هذا أبو يزيد فاقتلوه».
فأتاه بعض أصحابه وقطع يد العبد وخلص أبو يزيد؛ وكتب إلى عامل القيروان بإرسال مقاتلة أهلها إليه، ففعل ذلك، وزحف بهم آخر رجب، فجرى قتال شديد، وانهزم أبو يزيد هزيمة منكرة، وقتل جماعة من أصحابه وأكثر أهل القيروان.
ثم زحف الزحفة الرابعة فى العشر الآخر من شوال، فجرى قتال عظيم، وانصرف إلى منزله، وكثر خروج الناس إليه من الجوع والغلاء، ففتح عند ذلك القائم الأهراء التى عملها أبوه المهدى، وفرّق ما فيها على رجاله، وعظم البلاء على الرعية، حتى أكلوا الدواب والميتة، وخرج من المهدية أكثر السوقة والتجار، ولم يبق بها سوى الجند، فكان البربر يأخذون من خرج، ويشقّون بطونهم طلبا للذهب.
ثم وصلت كتامة فنزلت بقسطنطينة، فخاف أبو يزيد، وكان البربر يأتون إلى أبى يزيد من كل ناحية فينهبون ويرجعون إلى منازلهم، حتى أفنوا ما كان فى إفريقية، فلما لم يبق مع أبى يزيد سوى أهل أوراس وبنى كملان أخرج عسكره، فكان بينهم قتال شديد لست خلون من ذى القعدة، ثم صبحوهم من الغد فلم يخرج إليهم أحد.
ثم زحفت عساكر القائم إليه، فخرج من خندقه، واشتد بينهم القتال، ثم عادوا إلى
(١) قال ياقوت: «نفوسة جبال فى المغرب بعد افريقية عالية نحو ثلاثة أميال فى أقل من ذلك … وطول هذا الجبل مسيرة ستة أيام من الشرق الى الغرب، وبين جبل نفوسة وطرابلس ثلاثة أيام، وبينه وبين القيروان ستة أيام … وافتتح عمرو بن العاص نفوسه وكانوا نصارى، ومن جبل نفوسه رجع عمرو بن العاص بكتاب ورد عليه من عمر بن الخطاب»