فتفاءلت له بالظفر، ونزلت مسرعا، فرفعت الرمح من الأرض، ومسحته بكمى، فرفعته إليه، وقبلت يده، وقلت:
فألقت عصاها واستقرّ بها النوى … كما قرّ عينا بالإياب المسافر
فأخذ المنصور الرمح من يدى وقال:
«هلاّ قلت ما هو خير من هذا وأصدق؟».
قال، قلت: «وما هو؟».
قال: قال الله ﷿: «وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ؛ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، * فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَ اِنْقَلَبُوا صاغِرِينَ﴾ (١)».
قال: فقلت: «يا مولانا: أنت ابن رسول الله ﷺ، وإمام الأمة، عليكم نزل القرآن، ومن بيتكم درجت الحكم، فقلت أنت بما عندك من نور النبوة، وقال عبدك بما بلغه من علمه ومعرفته بكلام العرب وأهل الشعر».
وكان الأمر كما قال، فما هو إلا أن أشرف على عسكر أبى يزيد حتى ضرب الله فى وجوههم، فقتلوا، وأحرق عسكرهم وخيامهم بالنار، وولى أبو يزيد فى بقية أصحابه خائبين إلى داخل المغرب.
ولما صارت الخلافة إلى المنصور فى الشهر الذى توفى أبوه فيه، لم يغيّر السكة ولا البنود، وأقام على ذلك إلى سنة ست وثلاثين وثلاثمائة فأظهر موت أبيه بعد أن ظفر بأبى يزيد.
وكان سبب موته: أنه خرج إلى سفاقس (٢) وتونس، ثم إلى قابس (٣)، وبعث يدعو
(١) الأصل: «فألقى موسى عصاه فاذا هى تلقف ما يأفكون، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين» وهذا خلط واضح، فان الآية الأولى «فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ» هى الآية رقم ٤٥ من سورة الشعراء، والآيتان التاليتان من سورة الأعراف. وقد رويت الآيات صحيحة فى نسخة (ج) وهى الآيات ١١٧ - ١١٩ من سورة الأعراف.
(٢) ذكر ياقوت أنها مدينة من نواحى افريقية جل غلاتها الزيتون، وهى على ضفة الساحل بينها وبين المهدية ثلاثة أيام، وبين سوسة يومان، وبين قابس ثلاثة أيام»
(٣) ذكر ياقوت أنها «مدينة بين طرابلس وسفاقس ثم المهدية، على ساحل البحر، فيها نخل وبساتين غربى طرابلس الغرب، وبينها وبين طرابلس ثمانية منازل. وكان فتحها مع فتح القيروان سنة ٢٧» وقال البكرى: «وبين قابس والبحر ثلاثة أميال».