للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل جربة (١) إلى الطاعة فأجابوه، وأخذ منهم رجالا وعاد، وكانت سفرته شهرا.

وعهد إلى ابنه معدّ وجعله ولى عهده.

فلما كان شهر رمضان سنة إحدى وأربعين خرج متنزها إلى مدينة جلولاء (٢) - وهو موضع كثير الثمار، وفيه من الأترج ما لا يحمل الجمل منه غير أربع أترجّات لعظمه - فحمل منه إلى قصره، وكانت له حظيّة (٣) يحبها، فلما رأت الأترج استحسنته، وأحبت أن تراه فى أغصانه، فأجابها إلى ذلك، ورحل بها فى خاصته، وأقام بها أياما ثم عاد إلى المنصورية، فأصابه فى الطريق ريح شديد، وبرد ومطر أقام أياما، وكثر الثلج، فمات جماعة ممن معه.

واعتلّ المنصور علّة شديدة، ووصل المنصورية، فأراد عبور الحمام فنهاه طبيبه إسحاق ابن سليمان الإسرائيلى عن ذلك، فلم يقبل، ودخل الحمام ففنيت الحرارة الغريزية منه، ولازمه السهر، فأخذ طبيبه يعالج المرض دون السهر، فاشتد ذلك على المنصور وقال لبعض خواصه:

«أما فى القيروان طبيب غير إسحاق؟»

فأحضر إليه شاب من الأطباء يقال له: «أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبى خالد بن الجزار»، فجمع له أشياء مخدّرة (٤)، وكلّفه شمّها، فنام، وخرج وهو مسرور بما فعله، فجاء إسحاق ليدخل على المنصور، فقيل له إنه نائم، فقال: «إن كان صنع له شيء ينام منه فقد مات»، فدخلوا عليه فإذا هو ميّت، فدفن فى قصره.

وأرادوا قتل ابن الجزار الذى صنع له المنوّم، فقام معه إسحاق، وقال:


(١) جربة - بكسر الجيم أو فتحها - جزيرة بالمغرب من ناحية افريقية قرب قابس انظر: (ياقوت: معجم البلدان).
(٢) هناك مدينتان تحملان هذا الاسم «جلولاء، الأولى طسوج من طساسيج السواد فى طريق خراسان، بينهما وبين خانقين سبعة فراسخ، والثانية - وهى المقصودة هنا مدينة بافريقية بينها وبين القيروان أربعة وعشرون ميلا، راجع: (ياقوت: معجم البلدان).
(٣) ذكر (ابن خلكان، ج ١، ص ١٣٥) أن هذه الجارية كانت تسمى «قضيب».
(٤) فى ابن الأثير وابن خلكان: «منومة»