فوطأ أمرهم على أنهم يحجوا ويؤدوا إليه المال في كل سنة، ويكونوا آمنين على أنفسهم وأموالهم؛ وأخرج أهل مصر أيضاً عن الحاج ضرائب من مال السلطان؛ ثم ولى تدبير العراق من لم ير ذلك دناءة ولا منقصة، فصار لهم على الحاج رسما بالكوفة.
فلما كان سنة خمس وعشرين كبس أبو طاهر الكوفة، وقبض على شفي اللؤلؤي أميرها بأمان، فبعثه إلى السلطان يعرفه أنهم صعاليك لا بد لهم من أموال، فإن أعطاهم مالا لم يفسدوا عليه، وخدموه فيما يلتمسه، وإلا فلا يجدوا بدا من أن يأكلوا بأسيافهم، وبر أبو طاهر شفيعاً ووصله، فوصل شفيع إلى السلطان وعرفه، فبعث إليهم رجلا فناظر القرمطي، وملأ صدره من السلطان وأتباعه، فزاده انكسارا، وسار عن البلد، فابتلاه الله بالجدري وقتله؛ فملك التدبير بعده أخوته وابن سنبر.
فلما كان في سنة تسع وثلاثين أرادوا أن يستميلوا الناس فحملوا الحجر الأسود إلى الكوفة، ونصبوه فيها على الاسطوانة بالجامع.
وكان قد جاء عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب زين العابدين: أن الحجر الأسود يعلق في مسجد الجامع بالكوفة في آخر الزمان.
ثم قدم به سنبر بن الحسن بن سنبر إلى مكة وأمير مكة معه فلما صار بفناء البيت أظهر الحجر من سفط كان به مصونا، وعلى الحجر ضباب فضة قد عملت عليه، تأخذه طولا وعرضا، تضبط شقوقاً حدثت فيه بعد انقلاعه؛ وكان قد أحضر له صانع معه جص يشد به الحجر، وحضر جماعة من حجبة البيت، فوضع سنبر بن الحسن بن سنبر الحجر بيده في موضعه ومعه الحجبة وشده الصانع الجص بعد وضعه وقال لما رده: أخذناه بقدرة الله، ورددناه بمشيئته.