الناس، ووقع النفير في البلد، واستمر القتال بين الفريقين صفر وربي الأول، ثم وقع الصلح في أثناء ربيع الآخر.
وولى محمود جيش بن الصمصامة البلد، فأقام أياما؛ ثم إن الناس ثاروا وقتلوا عدة من المغاربة، وساروا يريدون جيشا، ففر منهم، ونهبوا ما كان له، فعادت الحرب وطرح النار في المواضع.
وأمر أبو محمود بأن تقصد أهل الشر دون غيرهم من الناس، غير أن الرعية كانت تقاتل معهم، فاشتد القتال إلى أول جمادى الأولى، ونصبوا الحرب يوما بعد يوم من بكرة النهار إلى آخره، والبلد ممتنع في جميع هذه الحروب، والقتال من ظاهره، ومعظمه على باب كيسان إلى باب شرقي، وباب الصغير إلى باب الجابية.
وكان عسكر أبي محمود من المغاربة عشرة آلاف سوى من تبعهم من غيرهم ومن حضروا من الساحل، فكانت الحرب مستمرة، تارة تظهر المغاربة على الدماشقة، وتارة تهزم الدماشقة المغاربة، وكانت المغاربة لا تظفر بأحد إلا قطعوا رأسه، فقتلوا خلقاً كثيراً.
وخلت الغوطة بحيث لم يبق فيها أحد، وانحصر البلد فلم يقو واحد يدخل إليه بشيء البتة، فغلت الأسعار، وبطل البيع والشراء، وقطع الماء عن البلد، فعدم الناس القنى والحمامات، فكانت الأسواق مغلقة، والنساء جلوس على الطرق، والرجال تصيح: النفير، فساءت حال كثير من الناس في هذه الفتنة، وماتوا على الطرق من القر والبرد، وهم مع ذلك مجتهدون في القتال، ونصبوا العرادات على أبواب البلد، فلم تبطل الحرب يوما من الأيام، وفي الليل تضرب الأبواق فيثور الناس من فرشهم، ويسيرون بالمشاعل فيقيمون إلى الصباح.
فلما تفاقم الأمر، واشتد البلاء، وقوى أهل الشر من أهل البلد، وأكلوا أموال الناس، كتب مشايخ البلد إلى محمود في الصلح، وأحضروا ابن الماورد وابن شرارة وزجروهم، وانصرفوا على أن أحداً لا يعارض السلطان في البلد، وقد فتح المسلمون المصاحف، والنصارى الإنجيل، واليهود التوراة، واجتمعوا بالجامع، وضجوا بالدعاء، وداروا المدينة وهي منشورة على رؤوسهم.