وكان من خبر أفتكين أن الديلم والأتراك اختلفوا ببغداد، فأراد عز الدولة أبو منصور بختيار بن معز الدولة أبى الحسين أحمد بن بويه الديلمى سلطان العراق أن يقبض على سبكتكين التركى، وكانت الأتراك تتعصّب معه وهم فى أربعة آلاف هو أميرهم، فغلبوا بختيار وخرج عن بغداد، وغلب سبكتكين التركى عليها، وكان فى قوة من المال والسلاح والرجال، فلم تطل مدته بعد غلبته على بغداد وهلك، فاستخلف من بعده على الأتراك أفتكين الشرابى مولى معز الدولة بن بويه، وكان شجاعا ثابتا فى الحرب، فسار بالأتراك من بغداد لحرب الديلم، فجرى بينهم قتال عظيم.
وقاتل أفتكين حتى تفرّق من حوله إلا يسيرا، وانهزم صاحب رايته، فلحقه وضربه باللّتّ (١) وأخذها من يده، وحمل على الديلم فقتل منهم كثيرا باللتوت، ثم حمل عليهم الديلم فانهزموا وأفتكين فى نحوا الأربعمائة من الأتراك، فأخذ على الفرات حتى نزل الرحبة، ثم أخذ فى البر وقد أظهر من المهابة ما لم يتجاسر العرب على نهبه، فنزل جوشية من قرى الشام، فجمع له ظالم بن موهوب العقيلى - وهو حينئذ على بعلبك - من قدر عليه من العرب، وأنفذ إلى أبى محمود قبل أن يسير عن دمشق يطلب منه عسكرا، فأنفذ إليه جماعة، وخرج يريد أفتكين - وهو فى ألفين - فسار يريد جوشية.
وبعث أبو المعالى ابن حمدان بشارة الخادم من حمص فى ثلاثمائة رجل إلى جوشية مددا لأفتكين على ظالم، فبعث بشارة إلى ظالم فصرفه عن محاربة أفتكين وعاد إلى بعلبك، وسار بشارة بأفتكين، فنزل بأفتكين بظاهر حمص، ووعده عن مولاه أبى المعالى بكل جميل، وحمل إليه أبو المعالى وأكرمه، فسار إلى أبى المعالى، فأجلسه على كرسى.
وسأله أفتكين أن يوليه كفر طاب ويكون تبعا له، فما هو إلا أن ورد عليه رسول بن الماورد الشاطر من دمشق بأن يسير إلى دمشق، وأنه يخرج إليه بأهل البلد، ويقاتلوا عسكر المغاربة، ويملكوه عليهم، فوقع ذلك منه بموقع، فبعث إلى أبى حمدان يقول:
(١) اللت (والجمع لتوت) لفظ فارسى معناه القدوم أو الفأس الكبيرة.