للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«إنى نظرت فى الذى وليتنى فإذا هو لا يقوم بمن معى من الغلمان، وإنى أريد أن أرجع إلى بغداد».

فقال:

«افعل ما تراه».

فسار كأنه يريد أن يأخذ طريق البرية إلى بغداد، وأخذ نحو دمشق، وقد نزل ريّان عليها، وجاءته أخبار طرابلس: بأن العدو قد خرج، ونحن نخاف علي البلد أن يؤخذ، فانزعج وخاف على طرابلس، وإذا بالخبر ورد عليه بأن أفتكين قد توجّه نحوه بموافقة أهل البلد، فعرض عساكره، وبرز يريد عقبة دمر.

وأصبح أفتكين على ثنية العقاب، ولم يعلم بأن ريّان الخادم قد ارتحل عن البلد بجميع أصحابه حتى لم يبق منهم أحد، فوصل إلى البلد وقد أجهده وأصحابه التعب لأيام بقيت من شعبان.

ونزل بظاهر البلد، فخرج الناس إليه، واستبشروا به، وسألوه أن يملكهم ويزيل المصريين ويكفّ عن الأحداث (١)، فأجابهم، واستحلفهم على الطاعة والمساعدة، وحلف لهم على الحماية وكف الأذى عنهم منه ومن غيره.

وقطع خطبة المعز وخطب للطائع، وقمع أهل العبث، فهابته الكافة، وصلح به كثير من أمر البلد، وأقام أياما، وشاع خبر العدو أنه قد أقبل فى جيش عظيم، فاستعدوا لقتاله، ونزل العدو على حمص، (ص ٣٨ ا) فلم يعرض لأحد بأرض حمص، لهدنة كانت بينه وبين أبى المالى ابن حمدان.

وسار أفتكين إلى بعلبك فى طلب ظالم، ففر منه، فنزل أفتكين بعلبك، وكانت العرب قد استولت على ما خرج عن سور دمشق، فأوقع بهم أفتكين، وقتل كثيرا منهم، وظهر منه حسن تدبير وقوة نفس وشجاعة، فأذعن الناس له، وأقطع البلاد، فكثر جمعه، وتوفرت أمواله، وثبت قدمه، وملك بعلبك من ظالم بن موهوب، فقصده الروم وعليهم الدمستق، فقاتلهم أشدّ قتال، ثم كثروا عليه فانهزم.


(١) هذا نص آخر عن «الأحداث»، راجع ما يلى هنا ص ٢٣٩، هامش ٣.