«حذرنى مولانا المعز بالمغرب، وقال لى: احذر النار فى عسكرك ببرقة» فلما جزت بها تحفظت من النار، فلما صرت فى مصر: قلت الحق ما يقول مولانا، وما هو إلا أن أعود إلى المغرب، فيكون ذلك فيها، فلما نزلت هذا المنزل عرفت أنه يقال له برقة، وكنت - والله - خائفا من قول مولانا حتى رأيته عيانا.
قال:
«ولما بلغ المعز أن يوسف بن زيرى خليفته على المغرب قبض على صاحب خراجه بالمغرب غضب واستدعى إسماعيل بن اسباط، ودفع إليه كتابا مختوما، وقال له:
«أنت عندى موثوق به، غير مستراب بك، قل له يا يوسف، تغير ما أمرتك به، وتنسب ما فعلته لى؟ والله لئن هممت بالعود إليك لآتينك، ولئن أتيتك لا تركت من آل مناد أحدا، بل من بلكانة، لا بل من صنهاجة؛ أخرج ابن الأديم فاردده إلى النظر فى الخراج على رسمه، وامتثل جميع ما أمرتك به، ولا تخالف شيئا منه».
قال:«فسرت بأحسن حال حتى دخلت القيروان فلم أجده، فسرت إليه، فلما رآنى نزل وقبّل الأرض لما ترجلت له، وقبّل بين عينىّ، وقال:
«هذه العين الذى رأت مولانا».
وأوصلت إليه السجل، فقرأه سرا مع كاتبه وترجمانه، وأديت إليه الرسالة بينى وبينه، فعهدى به يرتعد وينتفخ ويسودّ، ويقول: نفعل والله، وكتب بردّ زيادة الله بن الأديم إلى نظره، وأقمنا مدة.
قال ابن أسباط:«فأنا راكب معه ذات يوم إذ ورد إليه نجّاب بكتاب لطيف، فقرأه عليه راكبا الترجمان، فرأيته ضرب الفرس وحرّكه فأقامه وأقعده، وهزّ رمحه فى وجوه رجاله يمينا وشمالا، وجعل يقول: «أبلكين، أمليح اسم أمه؟ أزيرى، أمليح اسم أبيه؟ أمناد، أمليح اسم جده؟».
قال:«فقلت فى نفسى: خبر ورد إليه سرّه، وأدرت فكرى فوقف فى أن مولانا المعز مات».