أنه كان بمصر شاعر اسمه الحسن بن بشر الدمشقي، وكان كثير الهجاء، فهجا يعقوب بن كلس وزير العزيز، وكاتب الإنشاء من جهته أبا نصر عبد الله بن الحسين القيرواني، فقال:
قل لأبي نصرٍ كاتب القصر ... والمتأتي لنقض ذلك الأمر
انقض عرى الملك الوزير ... تفز منه بحسن الثنا والذكر
واعط وامنع، ولا تخف أحدا، ... فصاحب القصر ليس في القصر
وليس يدري ماذا يراد به، ... وهو إذا درى فما يدري
فشكاه ابن كلس إلى العزيز، وأنشده الشعر، فقال: هذا شيء اشتركنا فيه في الهجاء فشاركني في العفو عنه.
ثم قال هذا الشاعر أيضاً وعرض بالفضل القائد:
تنصّر، فالتنصر دين حقٍّ، ... عليه زماننا هذا يدل
وقل بثلاثة عزوا وجلوا، ... وعطّل ما سواهم فهو عطل
فيعقوب الوزير أبٌ، وهذا ... العزيز ابنٌ، وروح القدس فضل
فشكاه الوزير إلى العزيز، فامتعض منه، إلا أنه قال: اعف عنه.
فعفا عنه.
ثم دخل الوزير على العزيز، فقال: لم يبق للعفو عن هذا معنى، وفيه غض من السياسة، ونقص لهيبة الملك، فإنه قد ذكرك وذكرني وذكر ابن رباح نديمك، وسبك بقوله:
زيارجيٌ نديمٌ، وكليسيٌّ وزير ... نعم، على قدر الكلب يصلح الساجور
فغضب الوزير، وأمر بالقبض عليه، فقبض عليه لوقته، ثم بدا للعزيز إطلاقه، فأرسل إليه يستدعيه، وكان للوزير عين في القصر فأخبره بذلك، فأمر بقتله فقتل، فلما وصل رسول العزيز في طلبه أراه رأسه مقطوعا، فعاد إليه وأخبره، فاغتم له.