وما تجردت له همّتهم من إعداد الجيوش وانشاء الأساطيل تجوب المياه، فضلا عما كان لهم من عادات فى المواسم والأعياد، تميزت بها دولتهم، وما زالت تتصل بحياتنا الاجتماعية إلى اليوم.
وقد كان تاريخ هذه الدولة موزعا فى كتب التاريخ والأدب والعقائد، ممتزجا بغيره من تاريخ الدول، إلى أن جاء الإمام تقى الدين أحمد بن على المقريزى، فجمع أشتاته وضمّ ما تفرق منه، وأضاف إليه ما اجتمع له من ثمرات مطالعاته، وما تهيأ له من المناصب التى تولاها، ووضع هذا الكتاب الذى أسماه «اتعاظ الحنفا، بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء». أداره على تاريخ من ملك القاهرة من الخلفاء وعلى جملة أخبارهم وسيرهم، وجعله حلقة من سلسلة كتبه التى وضعها فى تاريخ مصر والقاهرة.
والمقريزى شيخ مؤرخى الاسلام غير مدافع، وفارس هذه الحلبة غير معارض؛ فى كل ما ألف وصنّف، وفى جميع ما نقل وروى، مما جعل كتبه المصدر الأصيل فى تاريخ مصر الإسلامية وحضارتها، وخططها وآثارها ومعارفها وفنونها وآدابها وعلمائها وأعيانها.
هذا وقد سبق للمستشرق هوجو بونز أن قام بنشر هذا الكتاب سنة ١٩٠٩ م على نسخة مخطوطة ناقصة محفوظة بمكتبة جوتا بألمانيا، وهى النسخة الوحيدة التى كانت معروفة فى ذلك الحين، وفى سنة ١٩٤٥ م قام الدكتور جمال الشيال بإعادة نشره عن هذه النسخة أيضا، بعد أن رجع إلى الأصول التى أخذ المقريزى عنها كتابه. ومع مضى الأيام وتتابع البحث، وجد من هذا الكتاب نسخة أخرى كاملة محفوظة بمكتبة سراى أحمد الثالث بإستانبول، فجدّ معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية فى تصويرها، ثم قام الدكتور جمال الشيال بإعادة نشر الكتاب عليهما مرة ثانية، بعد أن أضاف إلى الجهد السابق مزيدا من التحرير والتحقيق، وشرح المصطلحات، والتّعريف بالأعلام، ما شاءت له معارفه التاريخية وأمانته العلمية واطلاعه الغزير الوافر (١).