الفاطميّين. فالحاكم بهذا لم يقدم على ما أقدم عليه إلاّ بدافع سياسىّ، ولم يعدل عنه إلاّ بعد أن تبيّن زوال أسبابه وخطورة الإبقاء على موقفه من تأييد السنّة فى دولة تحول كلّ تنظيماتها العقديّة والمذهبية والعسكرية دون هذا. وما أشبه هذا بما فعله المأمون العبّاسى - مع مراعاة فارق العصر والظروف - حين قرّب منه العلويين ولبس شعارهم وخلع السواد شعار العباسيين، وبايع بولاية عهده لعلىّ الرضا وتزوج ابنته؛ ثم لم يلبث أن عدل عن هذا الاتجاه العلوى بتأثير تحرّك بغداد ضدّه وتغيّر موقف البيت العباسىّ منه.
٩ - وخير ما نختم به هذه الملحوظات عن الحاكم وعصره ما قاله المقريزى:
«وكان الأمر فى مدّة العزيز، فيه انحلال وعفو كبير عن الناس، فظنّوا أن ذلك يجوز فى مدّة الحاكم وجروا على رسمهم؛ فتجرّد لهم منه مطّلع على جميع أمورهم، غير مطّرح لعقوبة، فهلك الجمّ الغفير منهم».
ونحن لا ندّعى بعد هذا أن الحاكم خير كلّه، لكننا ندعو إلى الاقتصاد فى اتهامه والحكم عليه دون تقدير كامل لظروفه وظروف عصره، فبمثل هذا التقدير ننصف الحاكم المفترى عليه، ونبيّن مدى الجهد الذى بذله فى محاولة الإصلاح، ولا نبخسه أجره الذى يستحقه لهذا الجهد الذى استغرقه، خمسا وعشرين سنة كاملة هى مدة خلافته
***
ويتولى الظاهر لإعزاز دين الله خلافة الفاطميين عقب غيبة الحاكم التى ذاع بعدها أنه قتل، وكان الظاهر إذ ذاك قد جاوز السادسة عشرة من عمره، وبقى فى منصبه حتى توفّى سنة سبع وعشرين وأربعمائة، بعد نحو ستّ عشرة سنة من خلافته. وفى مناسبة وفاته يقول المقريزى: «وكانت أيامه كلّها سكونا ولينا،