على هذه الجوانب التى يحتاج إليها فى الرسائل والمكاتبات والتنقلات، فذكر أن «البريد» مسافة معلومة مقدرة باثنى عشر ميلا، أو بأربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ثلاثة آلاف بذراع بالهاشمى. وكان لهذا البريد «مراكز» بين كل اثنين منها مسافة «بريد»، وقد تطول أو تقصر إذا ألجأت الضرورة لذلك لبعد ماء أو للأنس بقرية. كما ذكر أن المسافرين كانوا يضبطون تنقلاتهم ويحتسبونها «بالمراحل»؛ وكان الحجاج منهم فى كل يوم وليلة «مرحلتين» من مراحل البريد (١). وهنا تتضح أهمية اتّباع هذا الأسلوب، فإذا كانت المسافة بين بلدين «ثلاثة أيام» كان معنى هذا أن بينهما ستّ مراحل أو اثنين وسبعين ميلا. وهذا التّصور ييسر تتبع حركات الجيوش وتنقلات الولاة ورسائل الملوك والحكام وغير ذلك.
ومن أجل هذا حرصت على أن أهيّئ للقارئ، بالتمسك بهذا الأسلوب فى التعريف، أن يعيش مع الأحداث فى عصرها، ليتمكّن من تفهم ظروفها وتصوّر تطوراتها.
***
وأخيرا أرجو أن أكون بهذا الجهد قد أسهمت فى تحقيق رغبة الأستاذ المرحوم الدكتور جمال الدين الشيال فى كشف الأستار عن هذا الكتاب، تلك الرغبة التى هيّأت لجنة إحياء التراث بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ظروف تحقيقها حين مكّنت سيادته من إخراج الجزء الأول منه، ثم عهدت إلىّ، بعد رحيله، بإتمام مهمته.
فللأستاذ الراحل الكريم الرضوان، وللّجنة الموقّرة موفور الشّكر لثقتها التى وضعتها فىّ؛ وأرجو أن أكون قد حققت ظنّها.