للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم بكر سائر أهل الدّولة إلى القصر يوم الخميس، وقد نصب للحاكم سرير من ذهب عليه مرتبة مذهبة فى الإيوان الكبير. وخرج من قصره راكبا وعليه معمّمة الجوهر؛ فوقف الناس بصحن الإيوان وقبّلوا الأرض ومشوا بين يديه، حتى جلس على السرير، فوقف من مهمّته الوقوف، وجلس من له عادة الجلوس. فسلم عليه الجماعة بالإمامة واللّقب الذى اختير له، وهو الحاكم بأمر الله. وكان سنّه يومئذ إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وستة أيام.

وكان جماعة من شيوخ كتامة تخلفوا عن الحضور (١) وتجمعوا نحو المصلّى (٢). فخرج إليهم أبو محمّد بن الحسن بن عمار (٣) فى طائفة من شيوخهم، وما زالوا بهم حتى أحضروهم بعد امتناعهم من الحضور، وشكوا من عيسى بن نسطورس (٤)، وسألوا صرفه، وأن تكون الوساطة لرجل منهم. فندب لذلك أبو محمّد الحسن بن عمار. فقرر أحوالهم فيما يطلق لهم من الرزق بعد خطاب طويل، على أن يطلق لهم ثمانى إطلاقات فى كل سنة، وأن يكون لكل واحد ثمانية دنانير؛ وأن يطلق هذا الفضل (٥) فى يومهم بحضرة أمير المؤمنين. فأحضر المال ودفع إليهم بحضرة الحاكم الفضل، وهو عشرون دينارا لكل واحد منهم. وحلّفهم ابن عمار بعد ما حلف.


(١) كان الوزير يعقوب بن كلس قد أضعف شوكتهم بعض الشئ، أيام العزيز فكان تخلفهم نوعا من الاحتجاج والرغبة فى استعادة مكانتهم التى كانت لهم، قارن نهاية الأرب للنويرى.
(٢) كان الجامع الأزهر يسمى عقب انشائه مصلى القاهرة. لكن لعل المقصود هنا مصلى العيد خارج باب النصر، أحد أبواب القاهرة.
(٣) وهو من أصول أسرة بنى عمار التى تولت حكم مدينة طرابلس بالشام، كما سيأتى تفصيل ذلك فى حينه. انظر: معجم الأنساب لزامباور، وكذلك mohammadan Dynasties تأليف: S.Lane-Poole
(٤) تولى الوزارة - الوساطة - العزيز بالله، وكان يتولاها عند خلافة الحاكم. وسر الغضبة عليه يتمثل فيما ينسب إليه من قول رد به الشاكين من سوء تصرفه ومن تقديمه النصارى فى مناصب الدولة: «إن شريعتنا متقدمة، والدولة كانت لنا ثم صارت إليكم، فجرتم علينا بالجزية والذلة. فمتى كان منكم إلينا إحسان حتى تطالبونا بمثله! إن منعناكم قاتلتمونا، وإن سالمناكم أهنتمونا، فإذا وجدنا لكم فرصة فماذا تتوقعون أن نصنع بكم». نهاية الأرب.
(٥) المقصود به الأموال التى كانت تمنح لرجال الدولة، والجنود خاصة، فى المناسبات كمثل مناسبة تولى الخليفة.