غمّا لما جرى على العسكر؛ وتزايد البكاء من الناس على فقد آبائهم ومعارفهم. وباتوا وأصبحوا يوم السبت العشرين منه، فورد الخبر بدخول أبى ركوة فى جموعه إلى الفيّوم؛ وسار فضل بن صالح لقتاله، فالتقى معه فى ثالث ذى الحجة وحاربه، فكانت وقعة عظيمة قتل فيها ما لا يحصى كثرة. وانهزم أبو ركوة، واستأمن بنو كلاب وغيرهم من العرب.
فسارت العساكر فى طلب أبى ركوة، وحضرت الرءوس من الفيوم ومعها الأسرى، وهى تجاوز ستة آلاف رأس ومائة أسير، فطيف بها بالبلد، وقتل الأسرى بالسّيوف بعد ما لحقهم أنواع البلاء بيد العامة، يصفعون أقفيتهم وينتفون لحاهم، ويضربونهم، حتى تفتّحت أكتاف كثير منهم، فكان أمرا مهولا. وتواتر مجئ من أخذ من عسكر أبى ركوة فجئ بخلق كثير وعدّة رءوس.
ودخل ابن فلاح من الجيزة فخلع عليه. واستمر القائد فضل فى طلب أبى ركوة وهو يبعث بمن قبض عليه من الرجال وبرءوس من يقتلهم شيئا بعد شيء. وعاد علىّ بن الجراح من عند القائد فضل فخلع عليه.
وفى الثانى من جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين ورد الخبر من القائد الفضل بن صالح بحصول أبى ركوة ووقوعه فى يده، فابتهج الناس لذلك؛ وخلع على قائد القواد وعلى أولاده وعلى البدوىّ الذى خرج فى طلب أبى ركوة حتى أدركه ببلد النوبة؛ وعلى أبى القاسم علىّ بن القائد فضل، وعلى ابنه. وذلك أن أبا ركوة دخل بعد هزيمته إلى بلد النوبة، فتبعه القائد فضل وبعث إلى ملك النوبة بالقبض على أبى ركوة، وسيّر إليه عسكرا مع الكتاب. فلما بلغوا أطراف النّوبة وجدوا أبا ركوة قد اختفى بدير هناك وله فيه أربعة عشر يوما؛ فدلّهم عليه رجل من العرب (١)، فقبضوا عليه فى ربيع الأول منها
(١) واسم هذا الدير دير أبى شنودة فى أطراف النوبة وكان المساعد على القبض عليه الشيخ أبو المكارم هبة الله. ويذكر النويرى، نقلا عن بعض المؤرخين، أنه اعتبرت الأكياس التى خرجت مع القائد فضل لما خرج للقاء أبى ركوة فكانت زنتها فوارغ خمسة وعشرين قنطارا، وأن جملة ما أنفق فى هذه الفتنة ألف ألف دينار. نهاية الأرب.