للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأتوا به إلى القائد فضل. فسار به إلى مصر ونزل بركة الحبش (١) يوم الجمعة للنصف من جمادى الآخرة، فخرج إليه قائد القواد بسائر [رجال] الدولة، وسلم عليه، وأبو ركوة فى مضرب ومعه القائد فضل؛ فأقام هناك إلى بكرة يوم الأحد سابع عشره؛ فسار من بركة الحبش بعساكره وأبو ركوة على جمل فوق سرير، وعليه ثوب مشهّر، وفوق رأسه طرطور طويل ومعه رجل يمسكه. وذلك أنه لما ألبس الطرطور صاح: يا فضل، يا أبا الفتوح، ما كذا ضمنت لى. فصفع صفعة منكرة وأمسك يديه هذا القائد خلفه، وقد اجتمع الناس من كل جهة، فكان جمعا لم ير مثله كثرة، وأوجرت الدور والحوانيت بحمله (٢) وبات الناس على الطرقات حتى وصل به إلى القصر، فأوقف ساعة على باب القصر وهو يشير بإصبعه ويطلب العفو، والصفع فى قفاه؛ ويقال له قبّل الأرض فيقبّل؛ ثم سير به إلى مسجد تبر. فلما خرج من باب القاهرة أشار إلى الناس يرجمونه بالحجر والآجرّ، ويصفعونه وينتفون لحيته، حتى عاين الموت مرارا، إلى أن بلغ مسجد تبر، فضرب عنقه وصلب جسده؛ وحمل رأسه إلى الحاكم؛ فخلع على القائد فضل وغيره من القوّاد والعرفاء الذين كانوا معه، وخلع على قائد القواد. فكان يوما عظيما مهولا لكثرة اجتماع الناس.


(١) بركة الحبش وهى بركة المغافر وبركة حمير وبركة الأشراف، واشتهرت ببركة الحبش، وهى بركة لم تكن عميقة المياه، وإنما كانت حوضا زراعيا يغمره النيل وقت الفيضان عبر خليج يعرف بخليج بنى وائل كان يستمد مياهه من النيل جنوبى الفسطاط، فيتحول الحوض وقت الفيضان إلى ما يشبه البركة. وعرفت ببركة الحبش لأنها كانت من ممتلكات بعض الرهبان الأحباش. النجوم الزاهرة: ٣٨٢:٦. وأول من زرع هذا الحوض قرة بن شريك، والى مصر ٩١ - ٩٦ هـ. وعرفت ببركة الأشراف لأنها صارت بعد الأمويين وقفا على الطالبيين، وكانت من أكبر منتزهات مصر. الخطط: ٤٨٦:١، ١٥٢:٢ - ١٥٧، قوانين الدواوين: ١٠٢.
(٢) هكذا فى الأصل: فقد يكون المعنى: «وأثقلت الدور والحوانيت بحمل هذا الجمع» أو لعل صحة العبارة «وأجرت الدور والحوانيت بجملة».