للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقاموا ليلتين فى الحوانيت والشوارع وعلى أبواب الدور يظهرون المسرّة والفرح (١).

وأظهر أبو ركوة فى مواقف الألم صبرا وتجلّدا؛ وكان لا يخاطب القائد الفضل إلا باسمه أو بكنيته. ولما أقام فى بركة الحبش، وخرج الناس ورأوه، كان يسأل من يلقاه عن اسمه وكان يتلو القرآن ويترحّم على السّلف. وكان شابا أسمر تعلوه حمرة، مستنّ الوجه طويل الجبهة، أشهل (٢) بزرقة، أقنى، صغير اللحية، أصهب (٣) إلى الشّقرة ظاهر القطوب تبين فيه الجد، لا يكاد يتجاوز ثلاثين سنة يوم قتل. ويقال إنه ولد رجل من موالى بنى أمية.

ولما قتل أبو ركوة نفذت الكتب إلى الأعمال كلها بخبر الفتح. فلما كان فى رجب ورد شيوخ كل ناحية وقضاتها، وقضاة الشام وشيوخه، لتهنئة الحاكم بالظفر وأخذ أبى ركوة. وقدم أبو الفتوح حسن بن جعفر الحسنى أمير مكة فى شعبان لتهنئته، فخلع عليه وأكرمه، وأنزل بدار برجوان.

وفيه أرجف الناس بأن القائد فضل بن صالح ينظر فى أمور الدولة وتدبيرها بدل قائد القواد حسين بن جوهر؛ وكان بينهما فى الباطن تباعد من جهة الرّتبة والحسد عليها:

وكان القائد فضل قد تفاقم وعظم تيهه وترفّعه على قائد القواد فى قوله وفعله: قال المسبحى:

قال لى الحاكم بأمر الله وقد جرى حديث أبى ركوة: ما أردت قتله ولكن جرى فى أمره


(١) كان بالقاهرة شيخ يقال له الأبزارى إذا خرج خارجى صنع له طرطورا وعمل فيه ألوان الخرق المصبوغة، وأخذ قردا وجعل فى يده درة يعلمه أن يضرب بها الخارجى من ورائه، ويعطى فى سبيل ذلك مائة دينار وعشر قطع ثياب. وقد اشترك هذا الأبزارى مع قرده فى موكب التشهير بأبى ركوة. النجوم الزاهرة: ٢١٦:٤. ويذكر صاحب النجوم الزاهرة فى موته أن الحاكم أمر به أن يحمل إلى ظاهر القاهرة ويضرب عنقه على تل بإزاء مسجد ريدان، فحمل إلى هناك، ولما أنزل فإذا به ميت فقطع رأسه وحمل إلى الحاكم فأمر بصلب جسده. النجوم الزاهرة: ٢١٧:٤.
(٢) الشهلة فى العين أن يشوب سوادها زرقة.
(٣) الصهبة والصهوبة احمرار الشعر.