ولقد أظهر دعوتهم ببغداد وعراقها الأمير البساسيري من موالي الديلم المتغلبين على خلفاء بني العباس في مغاضبة جرت بينه وبين أمراء العجم، وخطب لهم على منابرها حولا كاملا.
وما زال بنو العباس يغصون بمكانهم ودولتهم، وملوك بني أميه وراء البحر ينادون بالويل والحرب منهم.
وكيف يقع هذا كله لدعي في النسب، يكذب في انتحال الأمر؟! واعتبر حال القرمطي إذ كان دعيا في انتسابه، كيف تلاشت دعوته، وتفرق اتباعه، وظهر سريعا على خبثهم ومكرهم، فساءت عاقبتهم، وذاقوا وبال أمرهم، ولو كان أمر العبيدين كذلك لعرف ولو بعد مهلة.
فمهما تكن عند امرىءٍ من خليفةٍ ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
فقد اتصلت دولتهم نحوا من مائتين وسبعين سنة، وملكوا مقام إبراهيم ومصلاه، وموطن الرسول ومدفنه، وموقف الحجيج، ومهبط الملائكة، ثم انقرض أمرهم وشيعتهم في ذلك كله على أتم ما كانوا عليه من الطاعة لهم، والحب فيهم، واعتقادهم بنسب الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق.
ولقد خرجوا مرارا بعد ذهاب الدولة ودروس أثرها داعين إلى بدعتهم، هاتفين بأسماء صبيان من أعقابهم، يزعمون استحقاقهم للخلافة، ويذهبون إلى تعيينهم بالوصية ممن سلف قبلهم من الأئمة، ولو ارتابوا في نسبهم لما ركبوا أعناق الأخطار في الانتصار لهم، فصاحب البدعة لا يلبس في أمره، ولا يشبه في بدعته، ولا يكذب نفسه فيما ينتحله.