والعجب في القاضي أبي بكر الباقلاني شيخ النظار من المتكلمين يجنح إلى هذه المقالة المرجوحة، ويرى هذا الرأي الضعيف، فإن كان ذلك لما كانوا عليه من الإلحاد في الدين، والتعمق في الرافضية، فليس ذلك بدافع في صدد بدعتهم، وليس إثبات منتسبهم بالذي يغنى عنهم من الله شيئاً في كفرهم، وقد قال تعالى لنوح عليه السلام في شأن ابنه:" إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، إِنَّه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ، فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ به عِلْمٌ " وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة يعظها: يا فاطمة: اعملي: فلن أغنى عنك من الله شيئاً.
ومتى عرف أمرؤ قضية، أو استيقن أمراً، وجب عليه أن يصدع به " واللهُ يَقُولُ الحقَّ وَهُوَ يَهْدِى السبيلَ ".
والقوم كانوا في مجال لظنون الدول بهم، وتحت رقبة من الطغاة لتوفر شيعتهم، وانتشارهم في القاصية بدعوتهم، وتكرر خروجهم مرةً بعد أخرى، فلاذت رجالاتهم بالاختفاء، ولم يكادوا يعرفون. كما قيل:
فلو تسأل الأيام ما أسمى ما درت ... وأين مكاني؟ ما اعرفن مكاني
حتى لقد سمى محمد بن إسماعيل الإمام جد عبيد الله المهدي بالمكتوم، سمته بذلك شيعتهم لما اتفقوا عليه من اخفائه حذرا من المتغلبين عليهم، فتوصل شيعة آل العباس بذلك عند ظهورهم إلى الطعن في نسبهم، وازدلفوا بهذا الرأي القائل إلى المستضعفين من خلفائهم، وأعجب به أولياؤهم وأمراء دولتهم، المتولون لحروبهم مع الأعداء، يدفعون به عن أنفسهم وسلطانهم معرة العجز عن المقاومة والمدافعة لمن غلبهم على الشام ومصر والحجاز من البربر الكتاميين شيعة العبيديين وأهل دعوتهم، حتى لقد أسجل القضاة ببغداد بنفيهم من هذا النسب، وشهد بذلك من أعلام الناس جماعة، منهم: