والشيخ العميد محسن بن بدواس جالس وبين يديه حسباناته، فقال له: اجمع يا شيخ هذه القراطيس واختمها. فجمعها وختمها بخاتمه، ثم أقامه وختم الخزائن، وأخرجه راجلاً، فاعتقله بحجرة من القصر. وركب رفق فختم بيت المال والخزانة الخاصة ودار ابن بدواس وسائر ما يتعلق به. فلما كان العشاء أخرج ابن بدواس فضربت عنقه وهو يصيح: والله ما خنت ولا سرقت ولا غششت، وهذه منصوبة نصبت علي. وقيل إنه وجد عنده خط حسان بن جراح، وخطه عند حسان يحثه على الإيقاع بالدولة. وقيل إن هذا صنع عليه من أعمال الشريف العجمي. وقيل في سبب قتله معاندته لمعضاد وعدوله عنه إلى رفق الخادم وأنه كان استشار خليل الدولة محمد بن علي بن العداس صديقه لما عاداه هذه الطائفة، فأشار عليه أن يباينهم بالعداوة ويكاشفهم بها. واستشار أيضا شمس الملك مسعود بن الوزان، مع ما بينه وبينه من العداوة، فأشار عليه مثل ذلك. وقيل إن الظاهر أخرج كتاما مختوما إلى الشريف العجمي فنظره، ثم رفعه إلى أبي القاسم الجرجرائي فنظره ثم قال: هذا خط ابن بدواس، فقرئ، فإذا فيه طعن على الدولة، وبآخره: إذا وافيت بالعساكر لم تجد أحدا تلقاك ولا يمانعك، وإذا كاتبتني فلا تنفذ كتبك إلا على أيدي الرهبان فإنهم الثقات المأمونون. فقال الظاهر: أي شيء يستحق هذا؟ فقال الجرجرائي: مولانا مالك العفو والسيف. فقال: انصرفوا. فلما خرجوا أمر بضرب عنقه. وقيل إنه وجد أغلف لأنه كان نصرانيا. ومن العجب أنه كان في غاية التحفظ والتحرز، وكان يخاف أن يقتله الحاكم بأمر الله فنجا منه، ثم لما أمن واطمأن كان حتفه.
في يوم الثلاثاء لليلة بقيت منه أحضر عز الدولة معضاد الكتاميين وأمرهم بالبكور من الغد، وأمر الأتراك وجميع العسكر بلبس السلاح، وأن يتسلموا من الخزانة ما يخرج لهم من ذلك، ويقف الجميع حول القصر حتى يؤمروا بما يفعلونه. فوقفوا من الغد بأجمعهم حول القصر إلى ضحوة النهار، فجاءهم الأمر بأن مولانا صلوات الله عليه يركب