للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفارقنا أهلينا وقد هلكنا من الجوع، فإن لم يكن لكم حاجة بإقامة الدعوة بمكة والمدينة فاصرفونا فإنا قد بذل لنا الرغائب في إقامة الدعوة لغير إمامكم فلم نأخذها، ونريد إنسانا يكلمنا. فلم يجابوا بشيء. وكانوا قد مضوا قبل ذلك إلى رجال الدولة، كمعضاد وغيره، فصار يدفعهم هذا إلى هذا. فلما انصرفوا عن باب القصر خائبين بعث إليهم جمال الدولة مظفر الصقلبي، صاحب المظلة، ألف دينار من ماله، فقالوا: لا نأخذ إلا ما يصلنا به أمير المؤمنين، وهذه الصلة قد قبلناها، والله مجازيك عليها، ونحن نفرقها على ضعفائنا وعبيدنا؛ ففرقوها على خمسمائة نفس، لكل واحد ديناران.

واشتد الغلاء والقحط بمصر، فبيع الخبز السميد رطلين بدرهم، والحملة الدقيق بأربعة دنانير وثلثين، والتليس القمح بثلاثة دنانير، واللحم أربع أواق بدرهم. وعظم الموت سيما في الفقراء؛ وبلغ الناس الجهد حتى إن جزاراً طرح عظما لكلب فطرد رجل الكلب وأخذ العظم منه وابتلعه نيئا؛ وأكل المساكين الصماليخ من القنبيط واقتاتوا باليسير من كسب الوز وكسب السمسم، وغلت عامة الحبوب. وغلا الماء لتعذر علف الدواب وعدم من يستقي عليها؛ وبيعت راوية الجمل بثلاثة دراهم، وراوية البغل بدرهمين؛ واشتدت المسغبة. وقدم الخبر بشدة الموت بدمشق، فمات من أهلها ألوف.

وفي نصفه ركب الظاهر وشق مدينة مصر، وخلفه المقودون والمصطنعة، وبين يديه الرقاصون، فاستغاث الناس بضجة واحدة: الجوع يا أمير المؤمنين، الجوع؛ لم يصنع بنا هكذا أبوك ولا جدك؛ فالله الله في أمرنا. فارتجت البلد بالضجيج حتى نزل إلى قصر العزيز على البحر، فحضر أبو عبد الله محمد بن جيش بن الصمصامة الكتامي وقد اختل

<<  <  ج: ص:  >  >>