الحكم به مع ثقته وأمانته وقربه من خدمتك، القاضي أبو محمد. فقال: ذلك في خدمة مولاتنا الوالدة، ولا يفسح له في ذلك. فقال: يا أمير المؤمنين، هي خلد الله ملكها أغير على دولتك وأحسن نظراً لها من أن تحول بينها وبين ما يجملها؛ ومع ذلك، فلم ينقل مما هو فيه إلى ما هو دونه، بل إلى ما هو أوفى منه. فأجاب إلى ذلك، وقام، فشرع في كتب سجله وإعداد الخلع له. وسمع هذه النوبة القائد عدة الدولة، فأوفد إلى أبي محمد يخبره، وقال له تلطف في أمرك كما تريد. فعظم ذلك عليه، وخاف من بعده عن خدمة السيدة إذ كانت أجل الخدم، فإن كل من في الدولة من وزير وأمير وغيرهما محتاج.
فلما كان عشاء الآخرة حمل على نفسه وهو محموم وركب إلى باب الريح، ودخل، وأنفذ يعلم السيدة مكانه؛ فخرجت وراء المقطع وسألته عن حال مرضه، وما الذي دعاه للعناء في هذا الوقت. فقص عليها القصة وقال: إنما الغرض إبعادي عن خدمتك ليقع التمكن مني. فقالت: وما الذي تكره من ذلك؟ فقال: يا مولاتنا هوى الحكم واسع، وأحوال قاضي القضاة ابن النعمان فيه مشهورة، ولو كانت جارية على النظام المستقيم لشغلت عن خدمتك، فكيف والحاجة داعية إلى إصلاحه وإحكام نظامه؛ وفي هذا شغل كبير. فقالت: لا يضيق صدرك بهذا الأمر، فبابي لك، وخدمتي موفورة عليك، ولا أستبدل بك أبداً. فقال: يا مولاتنا قد قدمت القول أن هوى الحكم كبير واسع، وانشغالي به يحول بيني وبين ملازمة بابك. فقالت: خليفتاك في الحكم، القضاعي وابن أبي زكرى، هما ينفذان من الأحكام ما يجوز تنفيذه، فإذا تحررت إلى فصل الأحكام نزلت ففصلت