للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى صناعة الجسر، وعليه ثوب طميم مثقل وعمامة مذهبة طميم، وعلى رأسه مظلّة حمراء مثقلة مذهبة؛ فغيّر ولبس ثوبا دبيقيا أبيض مذهبا وعمامة شرب بيضاء مذهبة، وركب فرسا كميتا وقف عند الصناعة ووجد الجدّ فى طرح مركب حربى جديد، فتعذر طرحه، فتركه وسار لفتح الخليج. فورد الخبر بأن سيّار الضيف متولى سد الخليج أمر بتخفيضه ليقرب أمره عند حضور أمير المؤمنين لفتحه، فغلبه الماء وانكسر السّدّ. فلما وصل الظاهر إلى السّد وقف بجانبه الشرقىّ، وعبرت العشاريات مزينة على العادة، ولعبت، ثم عاد إلى قصره، فكان من الأيام المشهودة.

وفى تاسع عشره نودى فى مدينة مصر بألا يتعرض أحد لذبح شيء من الأبقار بوجه ولا سبب، فإن من تعرّض لذلك حلّ دمه وماله، لأن الناس عدموا العوامل (١) فى هذه السنة، وكانوا على عادتهم فى ابتياع الفواكه والخمور والحيوانات، إلاّ أنّ أمرهم فى ذلك كان أقلّ للغلاء وتعذّر الأصناف. وضرب فيه بالأجراس فى آخر النهار ألاّ يلعب أحد بالماء ببلد مصر فى يوم النّوروز، ولا فى القاهرة. فطلع الجزّارون يستغيثون فى منعهم من ذبح الأبقار، وأن عندهم منها ما ابتاعوه وأنفقوا عليه فى علفه حمل الدنانير، وليس هو ما يعمل ولا يصلح للزراعة، فإن الرأس من البقر يقوّم عليهم بمائة دينار وأكثر. وسألوا الإذن فى ذبح ما عندهم، فأجيبوا إلى ذلك. وذبحوا فى هذه الثلاثة الأيام ما لا يحصى كثرة، وبيع بطن البقر ولحمه رطلا بدرهم، وازدحم الناس فى طلبه. فلما كان آخر


(١) المقصود بالعوامل ما يصلح منها للحرث والسقى ونحو ذلك من عمل الفلاحة. وفى النجوم الزاهرة أنه كتب على لسان الظاهر فى هذا الصدد كتاب قرئ على الناس، منه «إن الله تعالى بتتابع نعمته وبالغ حكمته خلق ضروب الأنعام، وعمل فيها منافع الأنام، فوجب أن تحمى البقر المخصوصة بعمارة الأرض، المذللة لمصلحة الخلق، فإن فى ذبحها غاية الفساد، وإضرارا للعباد والبلاد». النجوم الزاهرة: ٢٥٢:٤. وقد أصدر الحاكم بأمر الله مثل هذا الأمر فى مناسبات مشابهة. وكان الحجاج ابن يوسف الثقفى من أوائل حكام المسلمين الذين اتخذوا مثل هذا القرار عند ما ولى العراق للأمويين.