للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فسارت العرب إلى برقة، وفتحوا أمصارها (١)؛ وكتبوا لإخوانهم الذين بشرقىّ الصّعيد يرغّبونهم فى البلاد؛ فأعطوا من الدولة دينارين لكل واحد، ومضوا إلى أصحابهم؛ فتصارعوا على البلاد، فحصل لسليم الشرق، ولهلال المغرب. وخربوا المدينة الحمراء وأجدابية (٢) وسرت (٣). وأقامت بطون من سليم وأحلافها بأرض برقة، وسارت قبائل دياب وعرق وزغب وجميع بطون هلال إلى إفريقية كالجراد المنتشر، لا يمرّون بشئ إلا أتوا عليه، حتى وصلوا إلى إفريقية سنة ثلاث وأربعين. وكان أول من وصل منهم أمير رياح مؤنس بن يحيى العنزى، فاستماله المعزّ بن باديس، وكثر عيثهم فى البلاد، ونادوا بشعار المستنصر. فبعث إليهم المعزّ العساكر فأوقعوا بها؛ فخرج إليهم فى ثلاثين ألفا فهزموه؛ وفرّ بنفسه وخاصته إلى القيروان، فنهبوا جميع ما كان معه، وقتلوا خلقا كثيرا، وحصروه بالقيروان حتى هلكت الضّواحى والقرى.

واقتسم العرب بلاد إفريقية فى سنة ستّ وأربعين؛ وكان لزغبة طرابلس وما يليها، ولمرداس بن رياح باجة وما يليها. ثم اقتسموا البلاد ثانيا، وكان لهلال من قابس (٤) إلى المغرب، وهم رياح وزغبة والمعقل وجشم وترنجة والأسيح وشداد والخلط وسفيان.

وتصوّح الملك من المعز بن باديس فركب البحر فى سنة تسع وأربعين؛ فدخل العرب القيروان واستباحوه وخرّبوا مبانيه، فتفرّق أهله فى البلاد. ثم أخذوا المهديّة وحاربوا


(١) يقول ابن الأثير: فلما حلوا أرض برقة وما والاها وجدوا بلادا كثيرة المرعى خالية من الأهل لأن زناتة كانوا أهلها فأبادهم المعز. الكامل: ١٩٦:٩.
(٢) يعرف بها ياقوت تعريفا مقربا فيقول إنها بين برقة وطرابلس المغرب، بينها وبين زويلة مسيرة شهر، تقع وسط صحراء، آبارها منقورة فى الصفا، ونخلها كثير، وأهلها ذو ويسار وأكثرهم أنباط، وبها نبذ من صرحاء لواتة، ولها مرسى على البحر يعرف بالمادور بينه وبينها ثمانية عشر ميلا. معجم البلدان: ١٢١:١ - ١٢٢.
(٣) سرت بضم السين وسكون الراء: على ساحل البحر المتوسط بين برقة وطرابلس تقع على الشمال من أجدابية. منها إلى طرابلس عشر مراحل وإلى أجدابية ست مراحل. معجم البلدان: ٦٢:٥ - ٦٣.
(٤) غربى طرابلس على مسافة ثمانى مراحل منها، وهى بينها وبين سفاقس. وتبتعد قابس عن الساحل نحو ثلاثة أميال، ولها سور ضخم من الصخر. معجم البلدان: ٢:٧ - ٤؛ البكرى: ١٧:٣ - ١٩.