للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إنّ الوزير رأى أن فى إقامة العساكر فى أعمال البحيرة كلفة كبيرة، فأرسل إلى بنى سنبس (١)، وكانوا بالدّاروم (٢) وفلسطين، وقد ثقلت وطأتهم هنالك وصعب أمرهم؛ فعدّى بهم إلى البحيرة، وهم أعداء قيس، وأوطأهم ديارهم، وأقطعهم أرضهم، فمحى اسم بنى قرّة من هناك.

وكان تجهيزه للعسكر فى شهر رمضان، وتسييره لهم إلى بنى قرّة فى مستهلّ شوال، فخطّأه الناس فى فعله، وقالوا لم يجرّد عسكر قط فى شوّال، فظنوا أنه لا يؤمن على العسكر أن ينهزم وينكسر. وكان شمس الدولة زمام الأتراك والقيصرية، وإليه زمّ القصور والخدمة فى الرسالة، وليس أحد فى الدولة يجرى مجراه جلالة وتقدّما، بينه وبين الوزير مباينة شديدة ويتربص به الدوائر، ويغتال له الغوائل؛ فكان ينتظر انهزام العسكر ليقبض عليه.

فلما أراد العسكر أن يسير من الجيزة، ومقدّمه ناصر الدولة، قرّر معه لقاءهم فى اليوم الخامس من شوّال بطالع يخبره به؛ وسيّر معه عدّة طيور من الحمام ليطالعه بما يكون يوما بيوم.

فلما كان فى ذلك اليوم، وهو يوم خميس جلس فى داره وقد اشتد قلقه وكثر اهتمامه بما يكون من العسكر؛ واحتجب عن النّاس لشغل سره، وجلس ينتظر الطائر. فلم يزل كذلك إلى السّاعة الخامسة من نهاره، فقام ليجدّد طهارة، فعبر البستان وقد أطلق الماء فى مجاريه، فرأى ورقة تمرّ على وجه الماء، فأخذها متفائلا بها، فوجدها أوّل كتاب كان قد وصل من القائد فضل إلى الحاكم بأمر الله، قد ذهبت طرّته وعنوانه وبقى صدره، وهو: «كتب عبد مولانا الإمام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين من المخيّم المنصور فى الساعة


(١) بهامش الأصل تعريف بهم نصه: «بخطه: سنبس بطن من بطون طيئ، وهم ولد سنبس بن ميمون بن جزول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ بن أود». اه.
(٢) قلعة بعد غزة بالنسبة لقاصد مصر، يرى الواقف فيها البحر إلا أن بينهما نحو فرسخ. وتسمى أيضا الدارون. معجم البلدان: ١٣:٤ - ١٤.