للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخامسة من نهار الخميس الخامس من شوال، وقد أظفره الله ﷿ بعدوّ الله تعالى وعدوّ الحضرة المطهرة، أبى ركوة المخذول، وهو فى قبضة الأسارى والحمد لله رب العالمين».

فلما وقف على ذلك سجد شكرا لله تعالى، وعجب من موافقة اليوم وعدّة الأيّام من شوال والإعلام بالظفر. ثم تجهّز للصلاة، فما فرغ حتى سقط الطائر بانكسار بنى قرّة وانهزامهم، وما منّ الله تعالى به من الظفر بهم. فأخذ الكتاب والطائر وركب إلى القصر، ودخل إلى المستنصر وأوقفه على الكتاب؛ فسرّ بذلك؛ وأراه الطير وقال: هذا أعجب يا أمير المؤمنين؛ وحدثه بحديثه، فعجب من هذا الاتفاق.

ثم تواصلت رسل ناصر الدولة بالبشرى وشرح الحال فى الظفر وانهزام القوم، فخلع على الوزير، وزيد فى ألقابه الناصر للدين، غياث الدين؛ فتمّ له النظر وقوى أمره، وذلّ من كان يعاديه؛ فجرى على عادته فى العفو والمجاملة.

وكان أهل جزيرة صقلية قد خالفوا الدولة غير مرّة (١)، لما فيهم من الشّرّ والغلظة، وطردوا الولاة. وصار إليهم المعزّ ابن باديس، فملّكوه عليهم وقد خرج عن طاعة الدولة، فأساء السيرة فيهم، وثقل عليهم، فوثبوا عليه وأخرجوه منها. وكاتبوا ملك الروم (٢)، فسار إليهم بطريق كبير، فولّوه أمرهم مدّة ثم وثبوا به وأخرجوه عنهم. وبعثوا إلى الحضرة يسألون إقالة عثرتهم والعفو عنهم ويسألون إيفاد وال. وكان بصقلية بنو أبى الحسين، لهم رئاسة وفيهم من يؤهل نفسه لولايتها؛ فسارت الخلع إلى رجل منهم يعرف بمستخلص الدولة؛ فمكث فيهم زمانا، ثم نفروا منه، وبعثوا يسألون تغييره عنهم. فسيّر الوزير


(١) وحكامها عندئذ من أسرة الكلبيين التى أسسها ٣٣٦ الحسن بن أبى على بن أبى الحسين الكلبى. وقد تغلب عليها فى هذه الفترة التى نتحدث عنها محمد، ابن الثمنة، القادر بالله، المغتصب وقد استعان بالزيريين أيام المعز بن باديس، ثم استعان بعده بالنور منديين. معجم الأنساب.
(٢) وهو الإمبراطور قسطنطين التاسع.