للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالخيام الكثيرة والسرادقات العظيمة، والخيول العدة بالمراكب الذهب، إلى الخليفة القائم، فرحل وهم فى خدمته، وقد خرج طغرلبك إلى لقائه؛ فعند ما شاهده وقع إلى الأرض يقبّلها، ثم قام وهنأه بالسلامة، وأظهر السّرور الزائد والابتهاج الكبير؛ واعتذر عن تأخّره بما كان من عصيان إبراهيم ينال. فقلده الخليفة بسيف كان قد تأخر عنه، وسار معه طغرلبك إلى بغداد وجلس على باب النّوبىّ الشريف مكان حاجب الباب حتى وصل الخليفة، فعند ما شاهده مثل قائما وأخذ بلجام بغلته حتى انتهى إلى باب الحجرة الشريفة؛ وذلك فى يوم الاثنين لخمس بقين من ذى الحجة.

ثم عاد طغرلبك إلى معسكره وسيّر العساكر لمحاربة البساسيرى وخرج فى إثره؛ فوافت العساكر البساسيرى ودبيس بن مزيد، فكانت بينهم حروب آلت إلى انهزام دبيس ووقوع ضربة فى وجه البساسيرى سقط منها عن فرسه، فأخذ، وقتل، وحملت رأسه إلى طغرلبك فبعث بها إلى الخليفة القائم، فطيف بها على قناة فى بغداد للنّصف من ذى الحجة (١)، وعلّقت على باب النوبى. وأحيط بأموال البساسيرى ونسائه وأمواله، وجميع حواشيه وأسبابه؛ وقتل فى هذه الوقائع من الخلائق ما لا يحصى لهم عدد؛ وفرّ دبيس إلى البطيحة (٢).

وقطعت الخطبة من بلاد العراق للمستنصر بعد أن خطب له ببغداد أربعين جمعة؛ وعادت للقائم كما كانت. وهذه الحادثة كانت آخر سعادة الدّولة الفاطمية، فإنّ الشام خرج من أيديهم بعدها بقليل لاستيلاء الترك عليه، ولم يبق بيدهم غير ملك مصر خاصة


(١) يقول ابن الأثير: «فوصل منتصف ذى الحجة سنة إحدى وخمسين، فنظف وغسل وجعل على قناة وطيف به، وصلب قبالة باب النوبى. وكان فى أسر البساسيرى جماعة من النساء المتعلقات بدار الخلافة فأخذن وأكرمن وحملن إلى بغداد». الكامل: ٢٢٨:٩ - ٢٢٩.
(٢) أرض واسعة بين واسط والبصرة. تغلب عليها فى أوائل أيام بنى بويه أقوام من أهلها وتحصنوا بالمياه والسفن وجيرة تلك الأرض عن طاعة الدولة، فصارت المياه لهم كالقلعة الحصينة إلى أن انقضت دولة الديلم ودولة السلاجقة. معجم البلدان: ٢٢٢:٢ - ٢٢٣. وقد أراد دبيس بفراره إلى البطيحة أن يستفيد من تحصينها الطبيعى.