وقدم عليه سليمان اللواتى، وهو يومئذ كبير أهل البحيرة وأكثرهم مالا، وأوسعهم حالا، وقدم إليه وأضافه، وأمدّه بالطرقات حتى قدم قليوب فنزل بها. وبعث إلى المستنصر سرا بأنى لا يمكننى القدوم إلى الحضرة، ما لم يقدم على يلدكوش؛ فبادر المستنصر إلى إجابته وقبض عليه.
ودخل بدر عشية يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى فتلقّاه أهل الدولة وأنزلوه، وبالغوا فى إكرامه؛ فأظهر أنّه ما جاء إلاّ شوقا إليهم، وخدعهم بما أبداه من المحبة لهم وكثرة التملّق، وأعرض عن المستنصر ولم يذكره إلاّ بالسّوء؛ وصار من معه يدخلون إلى القاهرة وحدانا ورجالا فى الخفية حتى تكامل منهم تسعمائة. ثم أخذ مع الأمراء فى الأكل والشرب واللّذات، إلى أن اشتد تآنسهم به، فاستدعاه كل منهم إلى ضيافته، وقدموا إليه، وهو آخذ فى أسباب ما دعى إليه.
فلما انقضت أيام ضيافتهم له استدعى أمراء الدّولة ومقدّميها فى صنيع أعدّ لهم، فمضوا إليه، وقضوا نهارهم عنده، وباتوا فى أطيب عيش وأنعم بال؛ وقد رتّب أصحابه ليقتل كلّ واحد أميرا من الأمراء ويكون له جميع ما بيده. فلما سكروا وامتدّ عليهم رواق اللّيل صار يخرج كلّ واحد من باب ويسلمه إلى غلام من غلمانه، ويمضى إلى داره فيتسلّمها بما فيها من الخدم والأموال. فلم يصبح الصباح إلاّ ورءوس الجميع بين يديه، وقد استولى كلّ رجل من أصحابه على دار أمير من الأمراء وأحاط بجميع ما كان له.
وأخذ فى القبض على الأتراك وتتبعهم حتى لم يدع منهم أحدا يشار إليه، فقويت شوكته، واشتدت وطأته وعظم أمره؛ فحسر عن ساعد الجدّ، وشمّر ساعد الاجتهاد، والتقط المفسدين فلم يبق على أحد منهم، وتطلّبهم فى القاهرة ومصر حتّى أتى على جميعهم القتل. وفرّ ناصر الجيوش أبو الملوك، وكان شاه بن يلدكوش، إلى الشام.