للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها جمع أطسز صاحب دمشق العساكر وسار يريد تملّك الدّيار المصرية وإزالة الدولة الفاطمية منها وإقامة الدعوة العباسية كما فعل فى بلاد الشام. وكان أكثر الأسباب الحاملة له على ذلك أن ابن يلدكوش لما فرّ من أمير الجيوش وصار إلى بلاد الشام اتصل بأطسز، وقدّم إليه ستين حبّة لؤلؤ مدحرج، زنة كلّ حبة منها ينيف على مثقال، وحجر ياقوت زنته سبعة عشر مثقالا، وتحفا كثيرة ممّا كان قد وصل إلى أبيه من خزائن المستنصر فى سنى الشدة، وأغراه بأهل مصر وحثه على قصد البلاد، وهوّنها عنده. فقوى طمعه وسار وقد حصل فى قوة بمن صار إليه من عساكر مصر ومن انضاف إليه من أهل الشام.

وكان أمير الجيوش ببلاد الصعيد قد انتهى إلى بلاد أسوان، فوصل الخبر بمسير أطسز إلى مصر، فكتب بذلك إلى أمير الجيوش، وكان عند موافاة الخبر إليه فى شغل عن ذلك، فقدم أطسز إلى أطراف مصر فى جمادى الأولى، وقد أشار عليه ابن يلدكوش «بألاّ تشتغل بالقاهرة ولكن تملّك الرّيف». وقال له: إذا ملكت الريف فقد ملكت مصر. فأقام بالرّيف جمادى الأولى وجمادى الآخرة وبعض رجب وأمير الجيوش فى إصلاح الصّعيد وتدبير أموره، وقد حضر إليه أكثر أهل أسوان وبدر بن حازم بجمائع طىّ. فلمّا استوثق أمره وجمع إليه العساكر عاد إلى القاهرة وخرج يريد محاربة أطسز فى جمع تبلغ عدّته ما ينيف على ثلاثين ألفا ما بين فارس وراجل، وذلك فى يوم الخميس لثلاث عشرة بقيت من رجب بعد ما جهّز عدّة مراكب قد شحنها بالعلوفات والأزواد. فجمع أطسز إليه أصحابه واستشارهم، فاختلفوا عليه فى الرّأى، فقال بعضهم أن ترجع فإنّك قد دست بلاد مصر وليس معك غير خمسة آلاف، والقوم فى كثرة، وعواقب الأمور غير معلومة. وقال له أخوه وابن يلدكوش لا يهولنّك ما تسمع به من كثرتهم فإنما هم سوقة وأخلاط، لو سمعوا صيحة لفرّوا عن آخرهم؛ فإياك والرّجوع عن هذا الملك قد أشرفت على أخذه ولم يبق إلاّ تملكه. وأشار عليه شكل، أمير طبرية، بموافقة القوم والدخول إلى مصر. فتقرر الرأى على ملاقاة العساكر المصرية.

فلما كان يوم الثلاثاء لثمان بقين منه تلاقى الفريقان وتحاربا، فكانت بينهما عدة وقائع كانت الغلبة فيها للمصريين، فانهزم أطسز، وقتل أخوه وعدّة من أصحابه، وعاد