للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها تحدّث ابن أبى الليث فى نقل السنة الشّمسية إلى العربية (١)، وكان قد حصل بينهما تفاوت أربع سنين، فأجاب الأفضل إليه، وخرج أمره إلى الشيخ أبى القاسم ابن الصيرفى بإنشاء سجل به، ثم رأى اختلال أحوال الرّجال العسكرية والمقطعين، وتضررهم من حسبة ارتفاع إقطاعاتهم وسوء حالهم، لقلّة المتحصل منها، ولأنّ إقطاعات الأمراء قد تضاعف ارتفاعها وزادت عن غيرها؛ وصار فى كل ناحية للدّيوان جملة تجبى بالعسف وتتردّد الرّسل بين الديوان بسببها. فحملت الإقطاعات كلّها على أملاك البلاد، وأمر ضعفاء الجند بالزيادة فى الإقطاعات التى للأقوياء؛ فتزايدوا إلى أن انتهت الزّيادة، فكتبت السّجلات بأنها باقية فى أيديهم مدة ثلاثين سنة ما يقبل منهم فيها زائد. وأمر الأقوياء أن يبذلوا فى الإقطاعات التى كانت بيد الأجناد ما تحتمله كلّ ناحية، فتزايدوا فيها حتى بلغت إلى الحدّ الّذى رغب كلّ منهم فيه فكتبت لهم السّجلات على الحكم المتقدّم؛ فشملت المصلحة الفريقين وطابت نفوسهم، وحصل للديوان بلاد مفردة بما كان مفرّقا فى الإقطاعات بما مبلغه خمسون ألف دينار.

وفيها فرغ بناء دار الملك (٢)؛ وكان الأفضل يسكن القاهرة فتحوّل إلى مصر، وسكن دار الملك على النيل واستقرّ بها، فقال الشعراء فيها عدّة قصائد.

وفيها بانت كراهة الأفضل لأولاده واحتجب عنهم أكثر الأوقات، فانقطعوا عنه واستقروا بالقاهرة فى دار القباب التى كانت سكن أبيهم الأفضل، وهى الدار التى عرفت بدار الوزارة؛ ولم يبق من أولاده من يتردّد إليه سوى سماء الملك فإنّه كان يؤثره ويميل إليه.

وأفرد الأفضل للقائد أبى عبد الله بن فاتك الموضع المعروف باللؤلؤة (٣).


(١) راجع السبب فى اتخاذ مثل هذه الخطوة أصلا فى صبح الأعشى: ٥٤:١٣ - ٦٠؛ المواعظ والاعتبار: ٢٧٣:١ - ٢٨٥.
(٢) وهى دار الوزارة الكبرى، بجوار القصر الكبير الشرقى تجاه رحبة باب العبيد، ويقال لها أيضا الدار الأفضلية والدار السلطانية، وأصبحت منذ إنشائها سكن الوزراء إلى أن انتقل الأمر إلى بنى أيوب فسكنها صلاح الدين ومن جاء بعده حتى انتقل منها الكامل إلى قلعة الجبل. المواعظ والاعتبار: ٤٣٨:١ - ٤٣٩.
(٣) كان للفاطميين منظرة تعرف بمنظرة اللؤلؤة وقصر اللؤلؤة على الخليج، وكانت تشرف من شرقيها على البستان الكافورى ومن غربيها على الخليج، ولم يكن فى غربى النيل مقابلها شيء من المبانى وإنما كان هناك بساتين عظيمة؛ وكانت المنظرة تطل على جميع أرض الطبالة وأرض اللوق. المواعظ والاعتبار: ٤٦٧:١ - ٤٦٩.