للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها وردت التجار من عيذاب (١) ذاكرين أنه خرج عليهم فى مراكب شنّها قاسم بن أبى هاشم، صاحب مكة، فقطعت عليهم الطريق وأخذ جميع ما كان معهم. فغضب الأفضل وقال:

صاحب مكّة يأخذ تجّارا من بلادى، أنا أسير إليه بنفسى بأسطول أوله عيذاب وآخره جدّة. ثم تقرر الحال على مكاتبة الأشراف بمكة وإعلامهم ما فعله أمير مكة، وأقسم فيه أنه لا يصل إلى مكة من أعمال الدّولة تاجر ولا حاجّ إلى أن يقوم بجميع ما أخذه من أموال التجّار. وكتب إلى والى قوص بأن يسير بنفسه أو من يقوم مقامه، إلى عيذاب، ومهما وصل من جدة من الجلاب لا يمكّن أحدا من الركوب فيها، وأن يتشوّف ما يدخل عيذاب من الشوانى (٢) والحراريق (٣)، فمهما كان يحتاج إلى إصلاح ومرمّة ينجز الأمر فيه؛ ويشعر أهل البلاد بوصول الرجال والأموال لغزو البلاد الحجازيّة. وتقدّم إلى المستخدمين بصناعة مصر بتقديم خمسة حراريق وتكميلها ليسيروا إلى الحجاز.

فلمّا وردت المكاتبة على الأشراف بمكة ولم يصل إليها أحد اشتدّ الأمر عندهم وتحرّك السعر، فبعثوا رسولا من أميرهم، فلمّا وصل ساحل مصر لم يؤبه له ولا أجرى عليه ضيافة، وقيل له: ما يقرأ لك الكتاب ولا يسمع منك خطاب دون إعادة المأخوذ من التجار إليهم.

وشاهد مع ذلك الجدّ والاهتمام بأمر الأساطيل وتجهيز العساكر إلى صاحبه، فالتزم بإحضار جميع أموال التجار، وسأل التوقّف قبل الإسراع بما عوّل عليه من قصد صاحبه؛ وأجّل لعوده أجلا قريبا. فأجيب إلى ذلك، وسار. فلم ينقض الأجل حتى عاد وصحبته جميع


(١) أول سواحل مصر على البحر الأحمر (القلزم). «وكان أكثر السواحل واصلا لرغبة رؤساء المراكب فى التعدية من جدة إليه، وإن كانت باحته متسعة لغزارة الماء وأمن اللحاق بالشعب الذى ينبت فى قعر هذا البحر. ومن هذا الساحل يتوصل إلى قوص بالبضائع». صبح الأعشى: ٤٦٤:٣.
(٢) الشينى، ويسمى الغراب أيضا، مركب حربية لها مائة وأربعون مجدافا فيها المقاتلة والمجدفون، ويقابلها بالفرنسية galere . قوانين الدواوين: ٣٣٩ - ٣٤٠؛ Dozy;Supp.Dict.ar .
(٣) الحراريق والحراقات جمع حراقة: ضرب من السفن الحربية فيها أجهزة لرمى النيران على الأعداء فى البحر. قوانين الدواوين: ٤٥٣ - ٤٥٤؛ Dozy;Supp.Dict.ar .