للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيره؛ فرمى من الفرس إلى الأرض، وضربوه ثمان ضربات. وكان القائد (١) بعيدا منه لأخذ رقاع الناس وسماع تظلمهم وتفريق الصدقات على الفقراء بالطّريق؛ فلمّا سمع الضوضاء أسرع إليه ورمى نفسه إلى الأرض عليه، فوجده قد قضى نحبه. وحمل على أيدى مقدّمى ركابه والقائد راجل، وهم يبشرون الناس بالسّلامة. وقتل من الذين خرجوا عليه ثلاثة وقطعوا وأحرقوا، وسلم الرّابع، وكان اسمه سالما، ولم يعلم به إلاّ لمّا ظفر به مع غيره بعد مدة.

ولم يزل الأفضل محمولا ولا يمكّن أحد من الوصول إليه إلى أن دخل به على مرتبته التى كان يجلس عليها أو يمطّى. وقال (القائد) (٢) للخليفة أدركنى وتسلّم ملكك لئلا أغلب عليه. وصار أىّ من لقيه يهنّئه بسلامة السلطان ويوهم أهله أن الطبيب عنده، ويأمرهم بتهيئة الفراريج والفواكه. وعاد إلى قاعة الجلوس فوجدها قد غصت بالناس، فردّ عليهم السّلام وهنأهم، وأظهر قوّة عزم؛ ثم عاد إلى القاعة الكبيرة وقد حضر إليه متولّى المائدة الأفضليّة واستأذنه على السّماط المختصّ بالعيد فقال له اذبح ووسّع، فالسّلطان بكلّ نعمة وهو الذى يجلس على السماط فى غد؛ ومع ذلك فكان فى قلق وخوف شديد من أن يبلغ أولاد الأفضل فيجرى عنهم ما لا يستدرك وتنهب الدّار.

فلمّا أصبح الصّباح وركب الخليفة ودخل إلى الدّهليز الذى كان يركب منه الأفضل ومعه الأستاذون المحنّكون قال القائد أبو عبد الله للخليفة: عن إذن مولانا أفتح الباب؛ وكان قد منع من الدّخول إلى الدّار؛ فقال الخليفة: نعم ففتح (على) (٣) الأفضل وقال له القائد:

الله يطيل عمر أمير المؤمنين ويفسح فى مدّته ويورثه أعمار مماليكه؛ هذا وزيره قد صار إلى الله تعالى، وهذا ملكه يتسلّمه. ثم ضربت للوقت المقرمة (٤) على الأفضل؛ وأمر الخليفة بإحضار من بالقاعة من الأمراء والأجناد، فدخل النّاس على غير طبقاتهم إلى أن مثلوا بين


(١) وهو أبو عبد الله محمد بن ثقة الدولة أبى شجاع المعروف بالمأمون البطائحى.
(٢) زيد ما بين القوسين للتوضيح استعانة بما جاء فى نهاية الأرب: «والقائد وإخوته لا يمكنون أحدا من الدنو منه .. وأنفذ المأمون أخاه حيدرة الى الآمر يقول له: أدركنى وتسلم ملكك لئلا أغلب عليه أنا وأنت. وأوصاه أن يهنئ من وجده بسلامة الأفضل، ففعل حيدرة ذلك». نهاية الأرب: ٢٨.
(٣) زيد ما بين القوسين لاحتياج السياق إليه.
(٤) القرام والمقرم والمقرمة ستار فيه رقم ونقوش.