وجد في طلب حيدرة. وهتك بالأوباش الذين اختارهم حرمة القصر وخرق ناموسه من كونه نغص على أبيه وأخيه، وصاروا يحسنون له كل رذيلة، ويحرونه على أذى الناس.
فأخذ الحافظ في تلافي الأمر مع حسن لينصلح؛ وعهد إليه بالخلافة في يوم الخميس لأربع بقين من شهر رمضان، وأركبه بالشعار، ونعت بولي عهد المؤمنين. وكتب له بذلك سجلاً قرئ على المنابر، فكان يقال على المنابر: اللهم شيد ببقاء ولي عهد المؤمنين أركان خلافته، وذلل سيوف الاقتدار في نصره وكفايته، وأعنه على مصالح بلاده ورعيته، واجمع شمله به وبكافة السادة إخوته، الذين أطلعتهم في سماء مملكته بدوراً لا يغيرها المحاق، وقمعت ببأسهم كل مرتد من أهل الشقاق والنفاق، وشددت بهم أزر الإمامة، وجعلت الخلافة فيهم إلى يوم القيامة.
فلم يزده ذلك إلا شراً وتعديا؛ فضيق على أبيه وبالغ في مضرته. فسير الحافظ وفي الدولة إسحاق، أحد الأستاذين المحنكين، إلى الصعيد ليجمع ما قدر عليه من الريحانية فمضى واستصرخ على حسن، وجمع من الأمم ما لا يعلمه إلا الله؛ وسار بهم. فبلغ ذلك حسناً، فجهز إليه عسكراً عرمرماً وخرج؛ فالتقى الجمعان. وهبت ريح سوداء في وجوه الواصلين، وركبهم عسكر حسن، فلم يفلت منهم إلا القليل، وغرق أكثرهم في البحر وقتلوا؛ وأخذ الأستاذ إسحاق وأدخل إلى القاهرة على جمل برأسه طرطور لبد أحمر. فلما وصل بين القصرين رمى بالنشاب حتى مات، ورمي إليهم من القصر الغربي أستاذ آخر فقتلوه، وقتل الأمير شرف الأمراء.
فلما اشتد الأمر على الحافظ عمل حيلة وكتب ورقة ورماها إلى ولده حسن، فيها: يا ولدي، أنت على كل حال ولدي، ولو عمل كل منا لصاحبه ما يكره الآخر ما أراد أن يصيبه مكروه. ولا يحملني قلبين وقد انتهى الأمر إلي أن أمراء الدولة فلاناً وفلاناً وسماهم له وأنك قد شددت وطأتك عليهم وخافوك، وأنهم معولون على الفتك بك؛ فخذ حذرك يا ولدي.