إنما لم يودعها ديوانه خوفا، ولا حجة فيما كتبه فى المحضر المتضمن القدح فى أنسابهم، فإن الخوف يحمل على أكثر من هذا، على أنه قد ورد ما يصدّق ما ذكرته، وهو أن القادر بالله لما بلغته هذه الأبيات أحضر القاضى أبا بكر الباقلانى (١)، وأرسله إلى الشريف أبى أحمد الموسوى - والد الشريف الرضى - يقول له:
«قد عرفت منزلك منا، وما لا نزال عليه من صدق الموالاة، وما تقدم لك فى الدولة من مواقف محمودة، ولا يجوز أن تكون أنت على خليقة نرضاها، ويكون ولدك على ما يضادها؛ ولقد بلغنا أنه قال شعرا، وهو كذا وكذا، فيا ليت شعرى على أى مقام ذلّ أقام؟ وهو ناظر فى النقابة والحج - وهما من أشرف الأعمال - ولو كان فى مصر لكان كبعض الرعايا».
وأطال القول.
فحلف أبو أحمد أنه ما علم بذلك، وأحضر ولده، فقال له فى المعنى، فأنكر الشعر، فقال له:
«اكتب خطّك إلى الخليفة بالاعتذار، واذكر فيه أن نسب المصرى مدخول، وأنه مدّع فى نسبه».
فقال:«لا أفعل».
فقال أبوه:«أتكذبنى فى قولى؟»
(١) هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم المعروف بالباقلانى البصرى، كان أشعرى المذهب ومن أئمة علماء الكلام فى وقته، وله تصانيف كثيرة، (انظر بيانها فى: البداية والنهاية، وبروكلمان)، لم يطبع منها الا كتاب «اعجاز القرآن»، ومن أهم كتبه التى لم تصلنا كتاب يتصل بموضوع هذا الكتاب وضعه للرد على الباطنية وعنوانه: (كشف الأسرار وهتك الأستار)، وقد نقل عنه ابن تغرى بردى فى (النجوم، ج ٤، ص ٧٥) فقرات تتضمن الطعن فى نسب الفاطميين، وقد كان الباقلانى موفور الذكاء، ويروى ابن كثير أن عضد الدولة بعثه فى رسالة الى ملك الروم، وقد بدرت منه أثناء رسالته بوادر عرف منها ملك الروم وفور همته وعلو عزيمته، توفى سنة ٤٠٣ هـ. انظر: (ابن خلكان: الوفيات، ج ٢، ص ٢٧٨ - ٢٧٩) و (ابن كثير: البداية والنهاية، ج ١١، ص ٣٥٠ - ٣٥١) و (ابن تغرى بردى: النجوم، ج ٤، ص ٢٣٤) و «دائرة المعارف الاسلامية، مادة الباقلانى وما بها من مراجع).