للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتتيقّنوا أنّ حلاكم (١) قد ذكرت له، فتعملوا الحيلة فى فراركم من مصر؛ وإن لم يعرفها فتطمئنوا حينئذ وتعرفوا أنّ القوم فى غفلة. فقالوا: ما يتسع لنا قتل واحد منا ينقص عددنا وما بذاك أمرنا. فقال: أليس هذا من مصلحتنا ومصلحة من تلزمنا طاعته؛ وما دللتكم إلاّ على نفسى. وأسرع بسكّين فذبح بها نفسه فمات، وأخذوا رأسه ورموها فى الليل بين القصرين، وأصبحوا ينظرون ما سبق. فلمّا رئيت الرأس واجتمع النّاس عليها لم يقل أحد إنه عرفها، فحملت إلى الوالى، فأحضر عرفاء الأسواق على أرباب المعايش وأوقفهم عليها فلم يعرفها أحد. فأحضر أصحاب الأرباع بالحارات (٢) فلم يعرفوها. ففرح النزاريّة واطمأنّوا بالإقامة فى مصر لقضاء مرادهم.

وكان الآمر كثير الفرج محبّا للهو؛ فركب فى يوم الثلاثاء الرابع من ذى القعدة يريد (أن) يجئ إلى الهودج (٣) الذى بناه بجزيرة مصر لمحبوبته البدريّة؛ ومن العادة فى الركوب أن يشاع فى أرباب الخدم بالموكب جهة قصد الخليفة حتى لا يتفرقوا عنه، فعلم النزاريّة أين يقصد فجاءوا إلى الجزيرة المذكورة ودخلوا فرنا قبالة الطّالع من الجسر إلى البرّ، ودفعوا إلى الفرّان دراهم ليعمل لهم فطيرا بسمن وعسل، فبينما هم فى أكله وإذا بالخليفة الآمر قد عبر من كرسى الجسر بمصر وجاز عليه وقد تفرّق عنه الركابية ومن يصونه بسبب ضيق الجسر. فلمّا طلع من ذا الجسر يريد العبور إلى الجزيرة وثبوا عليه وثبة رجل واحد وضربوه بالسّكاكين، وواحد منهم صار خلفه على كفل الدّابّة وضربه عدّة ضربات.

فأدركهم الناس وقتلوهم، وكانوا تسعة، وحمل الآمر فى عشارى إلى اللّؤلؤة، وكانت أيام النيل، فمات من يومه؛ وحمل من اللّؤلؤة وهو ميّت إلى القصر (٤).


(١) الحلية، وجمعها حلى، مثل لحية: الصفة، وقد تضم الحاء. مختار الصحاح.
(٢) فى النجوم الزاهرة: ١٨٥:٥: أصحاب الأرباع والحارات.
(٣) الهودج من متنزهات الفاطميين العجيبة البديعة، بناه الآمر بأحكام الله فى جزيرة الروضة لمحبوبته البدرية بجوار البستان المختار، وكان يتردد عليه كثيرا، وقتل وهو متوجه إليه، وبقى الهودج بعد مقتله متنزها للخلفاء. المواعظ والاعتبار: ٤٨٥:١ - ٤٨٦.
(٤) ذكر المقريزى هنا أن هذا حدث فى يوم الثلاثاء الرابع من ذى القعدة، وذكر النويرى أنه حدث فى يوم الثلاثاء لليلتين خلتا منه.