للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عشر ذى القعدة (١). فأوّل ما بدأ به أنه أحاط بالحافظ وسجنه فى خزانة فيما بين الإيوان وباب العيد (٢). ويقال إنّ رضوان بن ولخشى دخل إليه وقيّده؛ فقال له الحافظ: أنت فحل الأمراء. فنعت بذلك.

وتمكن أبو علىّ واستولى على جميع ما فى القصر من الأموال والذّخائر (٣)، وحمل الجميع إلى دار الوزارة بعد أن فرّق أكثر ما كان الآمر جمعه من الغلال فى الناس على سبيل الإنعام.

وكان السّعر غاليا، يباع القمح بنحو الدّينار كلّ إردب، فأراد أبو على أن يحسّن سمعته، فأمر أن تفتح المخازن وأطلق أكثر ما كان فيها، وكانت مئى ألوف أرادب.

وردّ على النّاس الأموال التى فضلت فى بيت المال من مال المصادرة التى كان قد أخذها الآمر فى أيّام مباشرة الرّاهب وما كتبت به الخطوط قبل ذلك؛ وكان الذى وجد خمسين ألف دينار. فاستبشر النّاس به وفرحوا فرحا ما ثبتت منه عقولهم، وضجّوا بالدّعاء له فى سائر أعمال الدّيار المصريّة؛ وأعلنوا بذكر معايب الآمر ومثالبه، وأقطع الحجريّة (٤) البلاد، وظهر فرح النّاس وابتهاجهم.

وأكرم بزغش العادل الذى أشار عليه بالخروج من القصر إكراما كثيرا. وكانت قد ضربت ألواح على عدة أملاك فى أيام الآمر فأعيدت إلى أربابها.

وكان إماميّا متشددا (٥)، فالتفّت عليه الإماميّة ولعبوا به حتى أظهر المذهب الإمامى، وتزايد الأمر فيه إلى التأذين فانفعل بهم، وحسّنوا له الدّعوة للقائم المنتظر، فضرب الدّراهم


(١) ولقب بالأكمل. النجوم الزاهرة: ٢٣٩:٥؛ نهاية الأرب: ٢٨.
(٢) باب العيد: أحد أبواب القصر الفاطمى الكبير، وأمامه رحبة سميت باسمه، وإنما سمى باب العيد لأن الخليفة كان لا يركب يوم العيد فى موكبه للصلاة إلا من ذلك الباب فى طريقه إلى المصلى خارج باب النصر. ويسمى أيضا باب البيمارستان العتيق. المواعظ والاعتبار: ٤٣٥:١؛ النجوم الزاهرة: ٥٠:٤، ٩٤؛ صبح الأعشى: ٣٤٦:٣.
(٣) وقال: هذا كله مال أبى وجدى. النجوم الزاهرة: ٢٣٩:٥. وقد تقدم فى حديث مقتل الأفضل أن الآمر نقل أموال وزيره الأفضل المقتول إلى قصر الخلافة بمعاونة الوزير المأمون البطائحى.
(٤) الحجرية: صبيان الحجر وهم جماعة من الشباب يناهزون خمسة آلاف يقيمون فى حجر منفردة لكل منها اسم يخصها، ومتى طلبوا لمهم لم يجدوا عائقا. صبح الأعشى ٤٧٧:٣.
(٥) يقول أبو المحاسن: إنه كان سنيا كأبيه، وأظهر التمسك بالإمام المنتظر فى آخر الزمان فجعل الدعاء فى الخطبة له وغير قواعد الرافضة. النجوم الزاهرة: ٢٣٩:٥. وهى عبارة يناقض شقها الأول بقيتها، فأهل السنة لا ينتظرون الإمام المنتظر فى آخر الزمان.