عباس وولده نصر على المسير من مصر بكل ما يملكانه من مال وسلاح وما قدرا عليه من حواصل الدولة وكان له مائتا حصان وحجرة مجنوبة على أيدي الرجال، ومائتا بغل رحل، وأربعمائة جمل تحمل أثقاله في يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول بعد ما حلف الأمراء ألا يخونوه. وأحضر مقدمي العرب من رزيق وجذام وسنبس وطلحة وجعفر ولواتة، وحلفهم.
فلما كان يوم الجمعة ركبوا عليه بكرة وتبعهما أسامة بن منقذ وجماعة؛ وبلغ ذلك طلائع فسار ونزل قبالة المقس في عشية نهاره، وخرج الناس إلى المقابر. وبات في عشاري، وأصبح، فأقام إلى يوم الأربعاء تاسع عشره، فركب يريد القصر وقد خرج الأمراء إليه، منهم من قاتله ومنهم من انضم إليه؛ فلم يكن غير ساعة حتى انجلى الأمر عن فرار عباس وولده وابن منقذ؛ فنهب الناس دورهم.
ودخل طلائع إلى القاهرة وشقها بعساكره في يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول، وهو لابس ثيابا سوداء، وأعلامه وبنوده كلها سود، وشعور النساء التي أرسلت إليه من القصر على رءوس الرماح. فكان هذا من الفأل العجيب، فإن الأعلام العباسية السود دخلت إلى القاهرة وأزالت الأعلام العلوية البيض بعد خمس عشرة سنة.
ونزل طلائع بدار المأمون التي كان يسكنها نصر بن عباس. وأحضر الخادم الذي كان مع الظافر لما قتل، فأعلمه بالحال، فمضى راجلاً من القصر إلى دار نصر بن عباس، واستخرج الظافر والأستاذ الذي كان معه، وغسلهما وكفنهما؛ وحمل الظافر في تابوت مغشى الأستاذون والأمراء ومشى طلائع وهو حاف قد شق ثيابه ومعه الناس بأجمعهم حتى