أن يتشبه بأبى بكر المادرائى فى ذلك، فعمل صحنا منه لكن جعل فستقا قد لبّس حلوى وذلك الفستق من ذهب، وأباحه أهل مجلسه؛ ولم يقدر على عمل ذلك سوى مرة واحدة.
ثم إنه لما تناهت مدّته عاداه رجل يعرف بابن الزّعفرانى، فنمّ عليه عند الحافظ بأن أحمد بن الأفضل لمّا كان قد اعتقل الحافظ وجلس للهناء ودخل عليه الشعراء كان فيهم على بن عبّاد الإسكندرى، وأنه أنشد قصيدة يذمّ فيه خلفاء مصر ويذكر سوء اعتقادهم، منها فى ذمّ الحافظ:
هذا سليمانكم قد ردّ خاتمه … واسترجع الملك من صخر بن إبليس
فعند ما قال هذا البيت قام ابن ميسّر وألقى عرضيته طربا بهذا البيت. فأمر الحافظ بإحضار هذا الشاعر، وقال: أنشدنى قصيدتك: فأنشدها إلى أن بلغ فيها إلى قوله:
«ولا ترضوا عن الخمس المناحيس». يعنى الحافظ وابنيه وأباه وجدّه؛ فأمر الغلمان بلكمه، فلكموه حتى مات بين يديه. وقبض على ابن ميسّر ونفى ثم قتل. وكان ينعت بجلال الملك؛ وكانت علامته «الحمد لله على نعمه».
وفيها مات أبو البركات بن بشرى الواعظ المعروف بابن الجوهرى فى جمادى الأولى عن إحدى وتسعين سنة.
وفيها ولى قضاء القضاة أحمد بن عبد الرحمن بن محمّد بن أبى عقيل، ونعت بقاضى القضاة الأعزّ أبى المكارم.
وفيها ثار بناحية برقة رجل من بنى سليم وادّعى النّبوّة، فاستجاب له خلق كثير، وأملى عليهم قرآنا منه: إنّما النّاس بالنّاس ولولا النّاس لم يكن النّاس، والجميع ربّ النّاس. ثم تلاشى أمره وانحلّ عنه النّاس.
وفيها جلس الوزير رضوان فى ذى القعدة لاستخدام المسلمين فى المناصب الّتى كانت بأيدى النّصارى. واستجدّ ديوان الجهاد (١)، واهتمّ بتقوية الثغور واستعدّ لتعمير عسقلان
(١) فى صبح الأعشى: ٤٩٢:٣ يعرف القلقشندى بديوان الجهاد فيقول: وهو أيضا ديوان العمائر، وكان محله بالصناعة (دار الصناعة) فى مصر، وفيه إنشاء المراكب للأسطول وحمل الغلال السلطانية والأحطاب وغيرها، ومنه ينفق على رؤساء المراكب ورجالها، وإذا لم يف ارتفاقه بما يحتاج إليه استدعى له من بيت المال بما يكفيه.