فلمّا غلب الظّافر عن دفعه أعطى ابن مصال مالا كثيرا، وأمره أن يعمل لنفسه ما يرى فيه الخيرة وهو يساعده. وسار ابن السّلار فرأى ابن مصال أنه لا طاقة له به، فخرج إلى جهة الصّعيد، وعدّى إلى الجيزة ليلة الثلاثاء رابع عشر شعبان، عند ما سمع بوصول المظفر. وقدم ابن السّلار إلى القاهرة فى يوم الأربعاء خامس عشر شعبان، فوقف على القصر وسيّر إلى الظافر وإلى من يدبّره من النساء يعلم بحاله. فجرت بينه وبين أهل القصر مراجعات كثيرة آخرها أنه فتح له أبواب القصر وخلع عليه خلع الوزارة؛ ونعت بالسيّد الأجلّ أمير الجيوش، شرف الإسلام، كافل قضاة المسلمين، وهادى دعاة المؤمنين.
وبقى يحقد على الظّافر ميله مع ابن مصال؛ وفى نفس الخليفة نفور منه أيضا.
وسكن دار الوزارة.
وجمع ابن مصال كثيرا من السّودان ومن العربان ولواتة وغيرهم، وانضمّ إليه بدر بن رافع، مقدّم العربان، وسار بهم. فندب ابن السّلار ربيبه المظفّر أبا منصور ركن الدّين عبّاس بن أبى الفتوح بن يحيى بن تميم بن المعزّ بن باديس فى عسكر، فنزل بركة الحبش. وقدم ابن مصال أمامه الأمير الماجد فى عسكر، فطرق عبّاسا على حين غفلة وقتل من عسكره كثيرا، وانهزم جماعة؛ وثبت عبّاس حتى أتته النجدة من الغد فكرّ على أصحاب ابن مصال وقاتلهم، فلم يفلت منهم إلا من سبحت به فرسه فى النيل؛ وأخذ الأمير الماجد نسيب ابن مصال وضربت عنقه. فسار ابن مصال إلى بلاد الصّعيد بجميع الأجناد والعربان.
وشرع ابن السّلار يجهّز عبّاسا فجهّزه فى جيش كثيف وبادر بالخروج خوفا من الاجتماع على ابن مصال؛ فسار إلى دلاص (١) ومعه طلائع بن رزّيك، وهو أحد المقدّمين، فبرز إليه ابن مصال وواقعه عدّة وجوه؛ فانجلت الوقائع عن قتل ابن مصال وبدر بن رافع مقدّم العربان فى يوم الأحد التاسع عشر من شوّال. ويقال إنه بلغت عدّة
(١) تقع غربى النيل، من أعمال البهنسا، وهى مدينة تتبعها قرى، وهى الآن تتبع محافظة المنيا. معجم البلدان: ٦٦:٤؛ قوانين الدواوين: ١٠٥، ٢٦٢.