للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبطل مسير العساكر إلى عسقلان (١). فسرّ الفرنج ما جرى، وكانوا محاصرين لعسقلان فقالوا لأهلها قتله ابنه وأنتم تقاتلون لمن؟ فلمّا صحّ الخبر لهم وهنوا لانقطاع المدد عنهم حتّى أخذها الفرنج وتقوّوا بأخذها. واستعرضوا كلّ جارية ومملوك بدمشق من النّصارى، وأطلقوا قهرا من أراد منهم الخروج من دمشق إلى وطنه شاء صاحبه أو أبى (٢).

ولمّا وصل عبّاس خلع عليه الظّافر خلع الوزارة فى يوم الجمعة المذكور، ونعت بالأفضل ركن الإسلام، فباشر وضبط الأمور، وأكرم الأمراء وأحسن إلى الأجناد لينسيهم العادل.

واستمرّ ولده نصر على مخافطة الخليفة، فاشتغل به عن كلّ أحد، وأبوه لا يعجبه ذلك. وواصل الخليفة الظّافر نصر بن عبّاس بن تميم بالعطاء الجزيل، فأرسل إليه فى يوم عشرين صينية فضة فيها عشرون ألف دينار؛ ثم أغفله أيّاما وحمل إليه كسوة من كلّ نوع؛ وأغفله أيّاما وبعث إليه خمسين صينيّة فضة فيها خمسون ألف دينار؛ وأغفله أياما وبعث إليه ثلاثين بغل رحل وأربعين جملا بعددها وغرائرها وحبالها. وكان يتردد بينهما مرتفع بن فحل فى قتل نصر لابنه عباس كما قتل زوج جدته العادل ابن السّلار، فبلغ ذلك أباه على لسان أسامة بن منقذ فلاطفه واستماله. وزاد الأمر حتى كان الخليفة يخرج من قصره إلى دار نصر بن عبّاس، الّتى هى اليوم المدرسة المعروفة بالسّيوفيّة (٣). فخاف عبّاس من جرأة ابنه وخشى أن يحمل الخليفة على قتله فيقتله كما قتل ابن السّلار، فعتبه سرّا ونهاه عن ملازمة الخليفة وابنه، فلم يفد فيه القول.


(١) كان ثغر عسقلان من أواخر الثغور الفاطمية بالسواحل الشامية التى صمدت للإغارات الصليبية والفرنجية حتى سقطت فى هذا العام، عام ثمان وأربعين وخمسمائة، وكان الفاطميون يرسلون إلى هذا الثغر بالبدل لتجديد حاميته وتقويتها؛ وفى عهد الحافظ لدين الله كان هذا البدل يخرج كل ستة أشهر فى القلة بين مائتى فارس وأربعمائة، وفى الكثرة بين أربعمائة فارس وستمائة، ومعهم عددهم وذخائرهم وأموالهم وأموال أخرى يحملونها إلى المقيمين بالثغر، وتوقف هذا بعد مقتل ابن السلار لما أعقبه من فتن واضطرابات كان الوزير عباس الصنهاجى من بين ضحاياها. وبقيت عسقلان فى يد الفرنج حتى استردها منهم صلاح الدين الأيوبى سنة ٥٨٣. كتاب الروضتين: ٢٢٣:١.
(٢) قارن ذيل تاريخ دمشق: ٣٢١؛ الكامل ٧١:١١.
(٣) كانت تعرف فى أول الأمر بدار جبر بن القاسم، ثم اتخذها المأمون البطائحى، وزير الآمر بأحكام الله، مقرا له. وفى جزء من هذه الدار افتتحت المدرسة السيوفية للحنفية على زمن صلاح الدين الأيوبى.