للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى التّاسع من جمادى الأولى سار عسكر إلى القدس فخرّب وعاد بالغنائم. وورد الخبر بوقعة كانت على طبريّة كسر فيها الفرنج وانهزموا، فأخذ الصالح فى النفقة على طوائف العسكر، وكان جملة ما أنفقه فيها مائة ألف دينار. فلما تكامل تجهيزهم سيّر خمس شوان (١) فى الخامس من شعبان، فتوجّهت لسواحل الشام، وظفرت بمراكب من مراكب الفرنج وعادت بكثير من الغنائم والأسرى فى الثانى والعشرين من رمضان. وخرج العسكر فى البرّ وقد ورد الخبر بحركة متملّك العريش يريد الغارة على أطراف البلاد، فلمّا بلغه سير العسكر لم يتحرّك، ورجع العسكر.

وجهّز رسول محمود بن زنكى بجواب رسالته ومعه هديّة فيها من الأسلحة وغيرها ما قيمته ثلاثون ألف دينار، ومن العين ما مبلغه سبعون ألف دينار تقوية له على جهاد الفرنج (٢). وكتب إلى الصّالح (٣) كتابا ضمنه قصيدة يحرضه فيها على قتال الفرنج، فوصلت إليه فى سادس عشر من شهر رمضان، ولبس نور الدّين خلعة الملك الصالح (٤) طلائع؛ وانقضت السّنة فى تجهيز العساكر فى البرّ والبحر ومسيرها وعودها بالغنائم الكثيرة والأسارى العديدة، منهم أخو القمص صاحب قبرص، فأكرمه الصالح وبعث به إلى ملك القسطنطينية.

وكثرت الغنائم من الفرنج بالقاهرة حتى امتلأت الأيدى بها.

وقال الصّالح فى هذه الغزوات عدة قصائد مطوّلة (٥).


(١) جمع شينى: مركب حربى للقتال، ويسمى بالغراب أيضا، وله مائة وأربعون مجدافا وفيه، إلى جانب الجدافين، المقاتلة؛ ويقابله بالإنجليزية Galley . قوانين الدواوين: ٣٤٠، ٤٥٦.
(٢) واسم الرسول الدمشقى الحاجب محمود المولد، وكان قد قدم فى السنة السابقة محملا برد نور الدين محمود على رسالة الملك الصالح، وزير مصر، فأعاده الصالح فى رمضان من هذه السنة «ومعه المال المنفذ برسم الخزانة الملكية النورية وأنواع الأثواب المصرية والجياد العربية»، وصحبته رسول وزير مصر. ذيل تاريخ دمشق: ٣٥٣. وستتكرر هذه البعثة فى السنة التالية.
(٣ و ٤) ما بين هذين الرقمين مستدرك بهامش الأصل.
(٥) ومثال لهذه القصائد قوله:
جعلنا جبال القدس فيها وقد جرت … عليها عتاق الخيل كالنفنف السهب
فقد أصبحت أو عارها وحزونها … سهولا توطأ للفوارس والركب
ولما غدت لا ماء فى جنباتها … صببنا عليها وابلا من دم سكب
وجادت بها سحب الدروع من العدا … نجيعا، فأغنتها الغداة عن السحب
وأجرت بحارا منه فوق جبالها … ولكن بحار ليس تعذب للشرب