وصارت الخطبة بديار مصر للعاضد ومن بعده للملك العادل نور الدين، وهو في الظاهر ملك الديار المصرية وصلاح الدين لا يتصرف إلا عن أمره كالنائب في الأمر عنه؛ ونور الدين لا يفرده بكتاب، بل يكتب: الأمير الأسفهلار صلاح الدين وكافة الأمراء بالديار المصرية يفعلون كذا؛ ويجعل علامته على رأس الكتاب تعظيماً لنفسه وترفعاً عن أن يكتب اسمه.
وعندما بلغه وفاة أسد الدين شق عليه استيلاء صلاح الدين، وتتبع أصحابه وأصحاب أسد الدين، وأخذ إقطاع صلاح الدين وإقطاع أسد الدين، ومنع نوابه من التصرف في حمص، وأبعد أهاليهم واستثقلهم وطردهم عنه. وكتب إلى الأمراء بمصر بمفارقته وتركه بمصر وحيداً ليوهن أمره. وشرع يذمه ويذكره بالسوء ويعنته في الطلب بحمل الأموال إليه، وصار كثيراً ما يقول: ملك ابن أيوب ويستعظم ذلك احتقاراً له.
وثقل ذلك على أهل الدولة وحواشي الخليفة العاضد، فإنه أقطع أصحابه أجل البلاد وآواهم، وأبعد أهل مصر وأضعفهم، واستبد بجميع الأمور ومنع العاضد من التصرف؛ ففطن العاضد لما يريد من إزالة الدولة. فثار الأستاذ مؤتمن الخلافة، وهو يومئذ من أكابر خدام القصر، وبعث بمكاتبة إلى الفرنج يستنجد بهم على الغز، ويحثهم على قصد البلاد ليخرج إليهم صلاح الدين بعساكره فيثور عند ذلك بصعيد مصر وطوائف العسكر،