للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان شاعرا (١) يحب الأدب وأهله، ويكثر من جليسه، ويبسط من أنيسه. وكان كرمه أقرب من الجزيل منه إلى الهزيل وصنّف كتابا سمّاه: الاعتماد فى الرّدّ على أهل العناد. وله قصيدة سمّاها: الجوهريّة فى الرّدّ على القدريّة.

ولمّا مات الصّالح خرج ولده المنصور وهو مجروح وجلس فى مرتبة أبيه، وبعث إلى العمّة ستّ القصور من أهل القصور فسلّمت إليه، فخنقها بمنديل ورميت قدامه (٢)، فبعثت السّيّدة العمّة أختها إلى سيف الدّين حسين بن أبى الهيجاء، صهر الصّالح، وحلفت له أنّها لم تدر ما جرى على الصّالح وأنّ فاعل ذلك أصحاب أختها المقتولة. وحضر إليها مجد الإسلام أبو شجاع رزّيك بن الصّالح فخلع عليه للوزارة، فإنّ الصّالح أوصى بها إليه وجعل من حسين بن أبى الهيجاء الكردى مدبّر أمره، ونعت بالسّيد الأجلّ مجد الإسلام الملك العادل النّاصر أمير الجيوش؛ وفسح له فى أخذ من ارتاب به فى قتل أبيه، فأخذ ابن قوام الدولة وقتله وولده والأستاذ الّذى شغل الصّالح بالحديث.

واستحسن النّاس سيرته، وسامح النّاس بما عليهم من البواقى الثابتة فى الدّواوين.

وأسقط من رسوم الظلم مبالغ عظيمة، وقام عن الحاجّ بما يستأديه منهم أمير الحرمين؛ وسيّر على يد الأمير محمّد بن شمس الخلافة نحوا من خمسة عشر ألف دينار إلى قاسم ابن هاشم، أمير الحرمين، برسم إطلاق الحاجّ. وظفر بقتلة أبيه ظفرا عجيبا بعد تشتّتهم فى البلاد (٣).


(١) نفس المصدر والصفحة. ومن شعره:
يا ماشيا فوق الثرى … رفقا، فسوف تصير تحته
إن قلت إنى أعرف ال … مولى القدير، فما عرفته
أو كنت تعبد للمخا … فة والرجاء، فما عبدته
(٢) يروى ابن الأثير شيئا غير هذا إذ يقول: حمل الصالح إلى داره وفيه حياة فأرسل إلى العاضد يعاتبه على الرضا بقتله مع أثره فى خلافته، فأقسم العاضد أنه لا يعلم بذلك ولم يرض به، فقال إن كنت بريئا فسلم عمتك إلى حتى أنتقم منها، فأمر بأخذها، فأرسل إليها فأخذها قهرا وأحضرت عنده فقتلها ووصى بالوزارة لابنه رزيك ولقب العادل. الكامل: ١١: ١٠٣. ويذكر النويرى أن العاضد توقف عن إجابة طلب الصالح، فأرسل الصالح إلى ست القصور وأخرجها، فلما جاءت إلى منزله أمر بخنقها فخنقت بين يديه حتى ماتت ومات الصالح فى بقية ليلته.
(٣) راجع النكت العصرية: ٥٣.