للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمر بن عبد السميع العباسي الخطيب بجامع عمرو، كما تقدم ذكره، وكان الذي قطع خطبة العاضد، آخر خلائفهم، رجل عباسي. ومثله في الغرابة أن الفاطميين لم يتمكنوا من الديار المصرية حتى قصدوها بعساكرهم مرتين مع القائم بن المهدي ولم يفتح، وفتحوها في الثالثة على يد جوهر؛ وكذا حصل في زوالهم من مصر فإن شيركوه قصد مصر مرتين ورجع، ثم قصدها في المرة الثالثة واستقر بها حتى أزالت عساكره الدولة.

في ثامنه أمر صلاح الدين بركوب عساكره كلها قديمها وجديدها، بعد أن تكامل سلاحهم وخيولهم، وخرج لعرضهم، وهي تمر عليه موكباً بعد موكب وطلباً بعد طلب. والطلب بلغة الغز هو الأمير المقدم الذي له علم معقود وبوق مضروب وعدة من الجند ما بين مائتي فارس إلى مائة فارس إلى سبعين فارسا. واستمر طول النهار في عرضهم. وكانت العدة الحاضرة مائة وسبعة وأربعين طلباً والغائب منها عشرون طباً، وتقدير العدة أربعة عشر ألف فارس.

في يوم الاثنين لإحدى عشرة خلت من المحرم، عشية يوم عاشوراء، نفذ حكم الله المقدور، وقضاؤه الذي يستوي فيه الآمر والمأمور، في العاضد لدين الله، في الثلث الأول من ليلة الاثنين يوم عاشوراء، وقامت عليه الواعبة، وعظمت ضوضاء الأصوات النادبة، حتى كأن القيامة قد قامت. وكان بين وضع اسمه من أعواد المنابر ورفع جسمه على أعواد النعش ثلاثة أيام. فاعتني به صلاح الدين عن أن يبتذل أو يهان بعد الموت، وكان من معه من الأمراء يريدون ذلك؛ وأمر بكف الأيدي واعتقال الألسنة عن التعرض إليه بسوء؛ وركب معزياً لأهل القصر. وأمر بتجهيزه وقد أظهر الكآبة والحزن وأجرى دمعه، ووعد أهله بحسن الخلافة على أيتام العاضد وهم ثلاثة عشر ولداً: أبو الحسن، وأبو سليمان داود، وأبو الحجاج يوسف، وأبو الفتوح، وأبو إسحاق إبراهيم، وأبو الفضل

<<  <  ج: ص:  >  >>