للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانتقل الملك إليه بعد ثلاثة أيّام.

قال عمارة (١): ودخلت على الصّالح قبل قتله بثلاثة أيّام، فناولنى رقعة فيها بيتان من شعره وهما:

نحن فى غفلة ونوم وللمو … ت عيون يقظانة لا تنام

قد رحلنا إلى الحمام سنينا … ليت شعرى، متى يكون الحمام!

فكان آخر عهدى به.

وممّا رثاه عمارة به قوله (٢):

أفى أهل ذا النّادى عليم أسائله … فإنى، لما بى، ذاهب العقل ذاهله (٣)

سمعت حديثا أحسد الصّمّ عنده … ويذهل واعيه، ويخرس قائله

فقد رابنى من شاهد الحال أنّنى … أرى الدّست منصوبا وما فيه كافله

وأنّى أرى فوق الوجوه كآبة … تدلّ على أنّ الوجوه ثواكله

دعونى، فما هذا بوقت بكائه … سيأتيكم طلّ البكاء و وابله

ولم لا نبكّيه ونندب فقده … وأولادنا أيتامه وأرامله

أيكرم مثوى ضيفكم وغريبكم … فيسكن، أم تطوى ببين مراحله

فيا ليت شعرى بعد حسن فعاله … وقد غاب عنّا، ما بنا الدّهر فاعله (٤)!

قال عمارة (٥): وكانت أحوال الصّالح تارة له وتارة عليه؛ فما هو عليه فرط العصبيّة فى المذهب، وجمع المال واحتجانه، والميل على الجند وإضعافهم والقصّ من أطرافهم. وأما التى له فلم تكن مجالس أنسه تنقضى إلا بالمذاكرة فى أنواع العلوم الشرعيّة والأدبيّة، وفى مذاكرة وقائع الحروب مع أمراء دولته. وكان مرتاضا قد سمر أطراف المعالى وتميّز عن أخلاق الملوك الّذين ليس عندهم إلاّ خشونة مجرّدة.


(١) النكت العصرية: ٤٨ - ٤٩؛ خريدة القصر: ١٨٠:١.
(٢) النكت العصرية: ٥٠؛ كتاب الروضتين: ٣١٣ - ٣١٤.
(٣) فى كتاب الروضتين: ٣١٣:١، وفى النكت العصرية: ٥٠: ذاهب اللب ذاهله.
(٤) يتبادل هذان البيتان الأخيران مكانيهما فى كتاب الروضتين، وفى النكت.
(٥) فى النكت العصرية: ٤٧ - ٤٨.