للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا كان بعد تسعة أشهر من وزارته ثار به ضرغام يوم الجمعة ثامن عشرى رمضان وقد جمع له، وكانت بينهما وقعة قتل فيها طىّ بن شاور، وهو أكبر أولاده، وقتل أخوه سليمان الطارى وهو الأصغر، وأسر الكامل فاعتقله ملهم ومنع منه أخاه ضرغاما ليد كانت له عنده. وكان بين قتل طىّ بن شاور وقتل العادل رزّيك نيف وثلاثون يوما.

وخرج شاور من القاهرة يريد الشام كما فعل رضوان بن ولخشى، وقد كان رفيقا له إذ ذاك، وذلك أوّل شوال، فنهبت داره ودور أولاده وحواشيه، وذهب جميع ما نالوه من مال بنى رزّيك. وقتل الكامل علىّ بين القصرين وتركت جثّته يومين ملقاة ومعه ابن أخته وحسّان تربية شاور. فكانت وزارته تسعة أشهر.

وكانت أخلاق شاور فى وزارته هذه مستورة باستمرار العافية والسلامة، ولم يكن فيها أقبح من قتل رزّيك بن الصّالح فإنّها أعربت عن ضيق عطنه وحرج صدره. وكان كرمه إليه المنتهى، وشدة بأسه فى مواطن الحرب شهيرة؛ وكان شديد الثّبات كثير الوثبات.

ومما نقم عليه أن ابنه الكامل عمل مظلّة كانت تحمل على رأسه (١)، وتحكّم على أبيه، وترفّع على الأمراء وعسفهم.

ولمّا فرّ شاور ونزل بفاقوس عند بنى منصور استولى ضرغام على الوزارة وتلقّب بالملك المنصور، فى سابع عشرى رمضان (٢)، فشكر النّاس سيرته، فإنه كان فارس عصره، كاتبا، جميل الصورة، فكه المحاضرة، عاقلا كريما، لا يضع كرمه إلاّ فى سمعة ترفعه أو مداراة تتبعه. إلاّ أنه كان أذنا متخيّلا على أصحابه، وإذا ظنّ بإنسان شرّا جعل الشّك يقينا. وكان فى وزارته مغلوبا مع أخويه ناصر الدّين همام وفخر الدّين حسام.

وقيل إنّ ملهما وضرغاما لمّا علما تغيّر النّاس على شاور وأولاده أخذا فى مراسلة رزّيك فى سجنه وإفساد النّاس له؛ فبلغ الخبر طىّ بن شاور (٣)، فدخل إليه وقال: بلغنى أن ملهما


(١) وذلك لأن المظلة كانت من الرسوم التى يختص بها الخليفة.
(٢) لما توجه شاور إلى الشام عاد الضرغام إلى القصر وأرسل إلى العاضد يخبره بما كان من أمر شاور ومضى إلى داره بقية ليلته. وجاء إلى القصر بكرة النهار فاستدعاه العاضد لدين الله وولاه الوزارة واستحلف له الأمراء. نهاية الأرب: ٢٨.
(٣) يقول النويرى: فاتصل ذلك بالكامل بن شاور .... الخ. نفس المصدر.