للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخرج مرى من عسقلان بجموعه فقبض عن مسيره سبعة وعشرين ألف دينار.

فلمّا بلغ ذلك شيركوه ارتحل عن القاهرة إلى بلبيس وبها ما أعدّ له ابن أخيه من الغلال وغيرها، وانضمّ معه الكنانيّة، فخرج شاور فى عسكر مصر، فاجتمع بالفرنج وخيّم على بلبيس وأحاط بها، فكانوا يغادون القتال ويراوحونه ثلاثة أشهر. وانقطعت الأخبار عن نور الدّين، وبلغه سير الفرنج إلى مصر.

وسار ملك القدس بجمع كثير ممن وصل لزيارة القدس مستعينا بهم. فبينا الفرنج فى محاصرة شيركوه إذ ورد عليهم أخذ نور الدّين لحارم (١) ومسيره إلى بانياس (٢)، فسقط فى أيديهم وعوّلوا على الرّجوع إلى بلادهم. فراسلوا شيركوه فى طلب الصّلح وعوده إلى الشّام وتسليم ما بيده إلى المصريّين. فأجاب إلى ذلك. وندب شاور الأمير شمس الخلافة محمّد ابن مختار إلى شيركوه، فقرر معه الصّلح على ثلاثين ألفا أخرى فحملها إليه. وكانت الأقوات قد قلّت عنده، وقتل من أصحابه جماعة. وأبطأت نجدة نور الدّين فلم يأته منه أحد. وخرج من بلبيس أوّل ذى الحجة (٣).


(١) حصن تجاه أنطاكية. معجم البلدان: ١٩٩:٣. وفى هذه المعركة أسر نور الدين بعض أمراء الفرنج وفيهم Bohemond III صاحب أنطاكية و Raymond III صاحب طرابلس. وبهذا أصبحت أنطاكية تحت التهديد المباشر من رجال نور الدين. راجع كتاب الروضتين: ٣٣٩:١؛ الكامل: ١١٣:١١ - ١١٤؛ وانظر كذلك:
The Crusaders in the East pp .١٨٨ - ١٩٨ وكتاب: Saladin;pp .٨٣ - ٨٤ . ويقول أبو شامة بعد تفصيل الحديث عن انتصار حارم إن أصحاب نور الدين أشاروا عليه بالمسير إلى أنطاكية ليملكها لخلوها ممن يحميها ويدفع عنها، فلم يفعل، وقال: أما المدينة فأمرها سهل، وأما القلعة التى لها فهى منيعة لا تؤخذ إلا بعد طول حصار وإذا ضيقنا عليهم أرسلوا إلى صاحب القسطنطينية وسلموها إليه. «ومجاورة بيموند أحب إلى من مجاورة ملك الروم». راجع كتاب الروضتين: ٣٤٢:١ فى المتن وفى الحاشية: ٢.
(٢) حصن فى الجنوب الغربى لدمشق فى سفح الجبل. السلوك: ٦٧:١؛ كتاب الروضتين: ٣٣٦:١، ٣٥٦. وكانت بيد الفرنج منذ سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة إلى هذه السنة، تسع وخمسين وخمسمائة. الكامل: ١١٤:١١.
(٣) فى خروجه من بلبيس يروى ابن الأثير عن شاهد عيان قوله: رأيته وقد أخرج أصحابه وبقى فى آخرهم وبيده لت من حديد يحمى ساقتهم، فأتاه فرنجى وقاله له: أما تخاف أن يغدر بك هؤلاء وقد أحاطوا بك وبأصحابك؟ فقال شيركوه: يا ليتهم فعلوا!! كنت ترى ما لم تر مثله، كنت والله أضع سيفى فلا أقتل حتى أقتل رجالا، وحينئذ يقصدهم الملك العادل نور الدين وقد ضعفوا وفنى أبطالهم فيملك بلادهم ويفنى من بقى منهم. كتاب الروضتين: ٣٣٦:١ (نقلا عن كتاب الباهر)؛ الكامل: ١١٢:١١ - ١١٣. واللت بفتح اللام وتشديد التاء لفظ فارسى الأصل معناه الفأس الكبيرة أو القدوم، وكانت من آلات الحرب فى تلك الفترة، ومثلها الفأس الشهيرة التى كان يحارب بها ريتشارد قلب الأسد.