للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا كان الليل أحرق من باب سعادة إلى ناحية اللّؤلؤة (١)، كما فعل أوّلا، واشتدّ الأمر، وصار كلّ من يخرج من عسكر مصر يقتل. فركب شاور وخرج ثمّ عاد وقد ازدحم النّاس على السّور لتنظر إلى الحرب، فسقطت شرفة من شرفات السّور على ابن شاور وغشى عليه، ودخلوا به إلى الكافورىّ وقد أيس منه؛ فجاء رئيس الأطباء وعصر فى أذنه حصرما فأفاق.

وأتاه الشّراب من عند الخليفة فشربه وركب إلى داره وقد ورم وجهه.

واشتدّ قتال شيركوه على باب القنطرة وأحرق وجه الخليج جميعه، واحترقت الدّور التى بجانبه من حارة زويلة. وانضمّ إليه بنو كنانة وكثير من عسكر المصريّين.

وبعث طائفة إلى حارة الريحانيّة وفتحوا ثغرة، فكان هناك قتال شديد. فجلس العاضد على باب الذهب وأمر بالخروج، فتسارع الصّبيان وغيرهم إلى الثّغرة وقاتلوا الترك والكنانيّة حتى أوصلوهم إلى منازلهم، وسدّوا الثّغرة.

وكان ضرغام عند قدوم شاور وشيركوه أرسل إلى الفرنج يستنجد بهم ويعدهم بزيادة القطيعة الّتى لهم، فامتنع ملكهم (٢) وقال لا يأتى إلاّ بأمر الخليفة وأمّا من الوزراء فلا يقبل فلمّا تحقّق شاور أنّه لا قبل له بشيركوه كتب إلى مرى ملك الفرنج بالسّاحل يستنجده ويخوّفه من تمكّن عسكر نور الدّين من مصر، ويقول له متى استقرّوا فى البلاد قلعوك كما يريدون أن يفعلوا؛ وضمن له مالا وعلفا، ويقال إنه جعل له عن كلّ مرحلة يسيرها ألف دينار؛ وسيّر إليه بذلك مع ظهير الدّين بدران. فسرّ الفرنج بذلك وطمعوا فى ملك مصر (٣).


(١) عرف بسعادة بن حيان غلام المعز لدين الله لأنه لما جاء من المغرب بعد بناء القاهرة نزل بالجيزة وخرج جوهر للقائه فلما رأى سعادة جوهر ترجل وسار إلى القاهرة ودخل من هذا الباب فسمى به. توفى سعادة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة بالقاهرة. ويقع هذا الباب قرب باب القنطرة الذى يقع بجوار منظرة اللؤلؤة المطلة على الخليج والتى بناها العزيز بالله الفاطمى مشرفة من شرقيها على البستان الكافورى ومن غربيها على الخليج من غربيه ولم يكن فيه إذ ذاك شيء من البنيان وإنما كان بساتين عظيمة تعرف ببطن البقرة. المواعظ والاعتبار: ٣٨٣:١، ٤٦٧ - ٤٦٩؛ صبح الأعشى: ٣٥٤:٣.
(٢) تسميه المصادر العربية: مرى، أمورى، عمورى وهو Amalric I ، حكم بيت المقدس بين سنتى ٥٥٧ - ٥٦٩ (١١٦٢ - ١١٧٤)، بعد وفاة Baldwin III ، وكان فى السابعة والعشرين عند اعتلائه العرش.
(٣) يذكر أبو شامه، اقتباسا من الباهر فى تاريخ الأتابكة، أن الفرنج قد أيقنوا بالهلاك إن ملكها (مصر) نور الدين، فلما أرسل شاور إليهم يستنجدهم ويطلب منهم أن يساعدوه على إخراج شيركوه من البلاد جاءهم فرح لم يحتسبوه، وسارعوا إلى تلبية دعوته والمبادرة إلى نصرته، وطمعوا فى ملك مصر. قارن كتاب الروضتين: ٣٣٥:١؛ الكامل ١١٢:١١ - ١١٣.