للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووصل مرى إلى الدّاروم (١). فبلغ شاورا فارتاع وبعث أميرا يعرف ببدران لكشف الخبر، فلمّا اجتمع بمرى خدعه ووعده بعدّة من قرى مصر، نحو الثلاث عشرة قرية، وأمره أن يخبر شاور أنّهم إنّما قصدوا البلد لخدمة. فلمّا عاد إلى شاور جهّز إلى مرى شمس الخلافة محمّد بن مختار، فعند ما دخل عليه قال له: مرحبا بشمس الخلافة. فقال: فمرحبا بالملك الغدّار، وإلا ما أقدمك إلينا؟ قال: اتّصل بنا أنّ الفقيه عيسى (٢) وصل إليكم ليزوّج أختا للكامل بن شاور بصلاح الدّين يوسف ويتزوّج الكامل بأخت صلاح الدّين، فحسبنا أنّ هذا عمل علينا. فقال ما لهذا صحّة، ولو فعل لما كان ناقضا للهدنة. فقال: الصّحيح أنّ قوما من وراء البحر انتهوا إلينا وغلبوا على رأينا وخرجوا طامعين فى بلادكم، فخفنا من ذلك، فخرجت لتوسّط الأمر بينهم وبينكم.

فقال له: فكم تريد أن يكون مبلغ القطيعة التى نقوم بها؟ قال: ألفى ألف دينار. فقال:

حتى أعود إلى شاور بهذا الخبر وأرجع إليكم بالجواب، فلا تبرحوا من مكانكم. فقال مرى:

بل ننزل على بلبيس حتّى تعود.

وكان قد كتب إلى شاور: إنّي قد قصدت الخدمة على ما قرّرته لى من العطاء فى كلّ عام، فكتب إليه شاور: إنّ الذى قرّرته إنما جعلته لك متى احتجت إلى نجدتك أو إذا قدم علىّ عدوّ، فأما مع خلوّ بالى من الأعداء فلا حاجة لى إليك ولا لك عندى مقرّر.

فأجابه: لا بدّ من حضورى وأخذى المقرّر. فعلم شاور أنّه قد غدر وخان الأيمان، ونقض العهود، وطمع فى البلاد. فجمع الأجناد وحشد العساكر إلى القاهرة؛ وسيّر إلى بلبيس حفنة من العسكر، ونقل إليها ما تحتاج إليه من الأقوات والغلاّت.

فنزل مرى على بلبيس أوّل يوم من صفر، وكتب عدّة من أعيان المصريّين كتبا إلى مرى يعدونه المساعدة، لكراهتهم فى شاور، منهم علم الملك ابن النّحّاس، ويحيى


(١) حصن صغير جنوبى فلسطين، بينها وبين البحر فرسخ، حصنه أملريك الأول، قريبا من غزة بينها وبين مصر، وأقام به فرسان الدواية أو المعبد، وتسمى أيضا الدارون، وهى فى موقع دير البلح الحالية. انظر Saladin; p .١٠٦ وكذلك: The Crusaders in the East; p .١٩٩ ؛ معجم البلدان: ١٣:٤.
(٢) أبو محمد ضياء الدين عيسى بن محمد الهكارى. وسيكون له دور كبير فى تجميع الكلمة حول صلاح الدين عند توليه وزارة مصر بعد شيركوه، كما سيأتى. توفى سنة خمس وثمانين وخمسمائة بعد حياة حافلة بالكفاح الحربى والعلمى إلى جانب صلاح الدين فى مصر والشام.