للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن الخيّاط، وابن قرجلة، وجماعة؛ فقوى الفرنج. وعند ما قدم مرى إلى بلبيس أرسل إلى طىّ بن شاور، وكان ببلبيس، أين ينزل؟ فقال لرسوله: قل له ينزل على أسنّة الرّماح. فغضب من هذا وجعله سببا لنقض ما قرّره مع شمس الخلافة، وحاصر البلد حتى افتتحها قهرا بالسيف يوم الثلاثاء ثانى صفر، وأخذ الطّارى والناصر، ابنى شاور أسيرين، وقتل جميع من كان فيها وأسرهم وسباهم، ونهب سائر ما تحتوى عليه؛ وأسر المعظم سليمان بن شاور وقيس بن طىّ بن شاور.

وأرسل إلى شاور يقول له: إنّ ابنك قال أيحسب مرى أنّ بلبيس جبنة يأكلها! نعم بلبيس جبنة والقاهرة زبدة (١). فصعد شاور إلى العاضد وسأله مكاتبة نور الدّين وطلب معونته فإنّ الفرنج قد ملكوا بلبيس والمسلمون يضعفون عن وقفهم، وأنه متى حصل التّقاعد أخذت مصر وأسر الفرنج من فيها من المسلمين؛ ويحثّه على إرسال من يتدارك هذا الأمر (٢). فكتب العاضد إلى نور الدّين برأى شمس الخلافة، فإنّه اجتمع بالكامل ابن شاور وقال له: عندى أمر لا يمكننى أن أفضى به إليك إلاّ بعد أن تحلف لى أنّك لا تطلع أباك عليه. فلمّا حلف له قال: إنّ أباك قد وطّن نفسه على المصابرة، وآخر أمره يسلّم البلد إلى الفرنج ولا يكاتب نور الدّين؛ وهذا عين الفساد؛ فاصعد أنت إلى العاضد وألزمه أن يكتب إلى نور الدّين فليس لهذا الأمر غيره. فصعد الكامل إلى الخليفة العاضد وكتبا الكتاب وأرسلاه إلى نور الدّين. فقيل للعاضد لم لا أطلعت وزيرك على ذلك؛ فقال أعرف أنّه لا يوافقنى عليه لكراهته فى الغزّ وأنا أعلم من أىّ باب أدخل عليه.


(١) قارن كتاب الروضتين: ٤٣١:١ نقلا عن ابن أبى طى فى كتاب السيرة الصالحية.
(٢) يتناقض هذا الخبر الذى يقرر أن شاورا طلب من العاضد أن يكتب إلى نور الدين مع ما يأتى بعده مباشرة من أن العاضد كتب إلى نور الدين بتحريض الكامل ابن شاور برأى شمس الخلافة مما أدى إلى اعتراض شاور على هذا التصرف. ويذكر أبو شامة أن شاورا عجل لملك الفرنج بمائة ألف دينار صلحا خديعة له، وواصل كتبه إلى نور الدين مستصرخا مستنفرا، «وعامل الفرنج بالمطال، ينقدهم فى كل حين مالا، ويطلب منهم إمهالا، وما زال يعطيهم ويستمهلهم حتى أتى الغوث بعساكر نور الدين». كتاب الروضتين: ٣٩١:١ - ٣٩٢. وقد يبدو من الجهود التى بذلها شاور فى محاولة تحصين الفسطاط ثم فى إحراقها حتى لا تصلح لمقام الفرنج بها - وسيرد تفصيل هذا - أن شاورا هو الذى أخذ المبادرة انطلاقا من السياسة التى اتبعها والتى تتمثل فى محاولة ضرب قوة نور الدين بقوة الفرنج حتى يظل الطرفان فى شغل عن مصر ويظل هو فى وزارتها. راجع أيضا كتاب الروضتين: ٤٣٢:١ حيث يروى أبو شامة نقلا عن ابن أبى طى عن والده أن الكامل ابن شاور هو الذى صعد إلى العاضد بتحريض شمس الخلافة محمد بن مختار ليحمله على الكتابة إلى نور الدين.